فصل: مُضْطَرّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


آثار المضاربة الصّحيحة

ما يستحقه المضارب في المضاربة الصّحيحة

يستحق المضارب بعمله في مال المضاربة الصّحيحة شيئين‏:‏ النّفقة والرّبح المسمّى‏.‏

أوّلاً‏:‏ نفقة المضارب

47 - اختلف الفقهاء في نفقة المضاربة‏:‏

قال الكاساني‏:‏ يستحق المضارب النّفقة بعمله في مال المضاربة على سبيل الوجوب‏,‏ لأنّ الرّبح في المضاربة يحتمل الوجود والعدم‏,‏ والعاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة تحتمل الوجود والعدم مع تعجيل النّفقة من مال نفسه‏,‏ فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة لامتنع النّاس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها‏,‏ فكان إقدام المضارب وربّ المال على هذا العقد - والحال ما ذكر - إذناً من ربّ المال للمضارب بالإنفاق من مال المضاربة‏,‏ فكان مأذوناً له في الإنفاق دلالةً‏,‏ فصار كما لو أذن له به نصاً‏,‏ ولأنّه يسافر لأجل المال لا على سبيل التّبرع ولا ببدل واجبٍ له لا محالة فتكون نفقته في المال‏.‏

وشرط الوجوب خروج المضارب بالمال من المصر الّذي أخذ المال منه مضاربةً‏,‏ سواء كان مصره أو لم يكن‏,‏ فما دام يعمل به في ذلك المصر فإنّ نفقته في مال نفسه لا في مال المضاربة‏,‏ وإن أنفق منه شيئاً ضمن‏,‏ لأنّ دلالة الإذن لا تثبت في المصر‏,‏ وكذا إقامته في الحضر لا تكون لأجل المال‏,‏ لأنّه كان مقيماً قبل ذلك‏,‏ فلا يستحق النّفقة ما لم يخرج من ذلك المصر‏,‏ سواء كان خروجه بالمال مدّة سفرٍ أو أقلّ من ذلك‏,‏ حتّى لو خرج من المصر يوماً أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة لوجود الخروج من المصر لأجل المال‏,‏ وإذا انتهى إلى المصر الّذي قصده‏,‏ فإن كان ذلك مصر نفسه أو كان له في هذا المصر أهل سقطت نفقته حين دخل‏,‏ لأنّه يصير مقيماً بدخوله فيه لا لأجل المال‏,‏ وإن لم يكن ذلك مصره ولا له فيه أهل‏,‏ لكنّه أقام للبيع والشّراء لا تسقط نفقته ما أقام فيه‏,‏ وإن نوى الإقامة خمسة عشر يوماً فصاعداً‏,‏ ما لم يتّخذ ذلك المصر الّذي هو فيه دار إقامةٍ لأنّه إذا لم يتّخذه دار إقامةٍ كانت إقامته فيه لأجل المال‏,‏ وإن اتّخذه وطناً كانت إقامته للوطن لا للمال فصار كالوطن الأصليّ‏,‏ ولو خرج من المصر الّذي دخله للبيع والشّراء بنيّة العود إلى المصر الّذي أخذ المال فيه مضاربةً فإنّ نفقته من مال المضاربة حتّى يدخله‏,‏ فإذا دخله‏:‏ فإن كان ذلك مصره أو كان له فيه أهل سقطت نفقته‏,‏ وإلا فلا‏.‏

وكل من كان مع المضارب ممّن يعينه على العمل فنفقته من مال المضاربة‏,‏ كأجير يخدمه أو يخدم دابّته‏,‏ لأنّ نفقتهم كنفقة نفسه‏,‏ لأنّه لا يتهيّأ للسّفر إلا بهم‏.‏

وكل ما فيه النّفقة فالنّفقة في مال المضاربة‏,‏ وللعامل أن ينفق من مال نفسه ما له أن ينفق من مال المضاربة على نفسه ويكون ديناً في المضاربة‏,‏ حتّى كان له أن يرجع فيها‏,‏ لأنّ الإنفاق من المال وتدبيره إليه‏,‏ فكان له أن ينفق من ماله ويرجع به على مال المضاربة‏,‏ لكن بشرط بقاء المال‏,‏ حتّى لو هلك لم يرجع على ربّ المال بشيء - كذا ذكر محمّد - لأنّ نفقة المضارب من مال المضاربة‏,‏ فإذا هلك هلك بما فيه‏,‏ كالدّين يسقط بهلاك الرّهن‏,‏ والزّكاة تسقط بهلاك النّصاب‏.‏

وتحتسب النّفقة من الرّبح أوّلاً إن كان في المال ربح‏,‏ فإن لم يكن فهي من رأس المال‏,‏ لأنّ النّفقة جزء هالك من المال‏,‏ والأصل أنّ الهلاك ينصرف إلى الرّبح‏,‏ ولأنّا لو جعلناها من رأس المال خاصّةً أو في نصيب ربّ المال من الرّبح لازداد نصيب المضارب في الرّبح على نصيب ربّ المال‏.‏

والمراد من النّفقة هنا‏:‏ الكسوة والطّعام والإدام والشّراب وأجر الأجير‏,‏ وفراش ينام عليه‏,‏ وعلف دابّته الّتي يركبها في سفره ويتصرّف عليها في حوائجه‏,‏ وغسل ثيابه‏,‏ ودهن السّراج والحطب ونحو ذلك‏,‏ وقال‏:‏ ولا خلاف بين أصحابنا في هذه الجملة‏,‏ لأنّ المضارب لا بدّ له منها‏,‏ فكان الإذن ثابتاً من ربّ المال دلالةً‏,‏ وأمّا ثمن الدّواء والحجامة والفصد والتّنور والادّهان وما يرجع إلى التّداوي وصلاح البدن ففي ماله خاصّةً‏,‏ لا في مال المضاربة وذكر الكرخي خلاف محمّدٍ أنّه في مال المضاربة عنده‏,‏ وذكر في الحجامة والاطّلاء بالنورة والخضاب قول الحسن بن زيادٍ أنّه يكون في مال المضاربة على قياس قول أبي حنيفة‏,‏ والصّحيح أنّه يكون في ماله خاصّةً‏,‏ لأنّ وجوب النّفقة للمضارب في المال لدلالة الإذن الثّابت عادةً‏,‏ وهذه الأشياء غير معتادةٍ‏,‏ وعلى هذا إذا قضى القاضي بالنّفقة يقضي بالطّعام والكسوة ولا يقضي بهذه الأشياء‏,‏ وأمّا الفاكهة فالمعتاد منها يجري مجرى الطّعام والإدام‏,‏ وقال بشر‏:‏ سألت أبا يوسف عن اللّحم فقال‏:‏ يأكل كما كان يأكل لأنّه من المأكول المعتاد‏.‏

وإذا رجع المضارب إلى مصره فما فضل عنده من الكسوة والطّعام ردّه إلى المضاربة‏,‏ لأنّ الإذن له بالنّفقة كان لأجل السّفر‏,‏ فإذا انقطع السّفر لم يبق الإذن‏,‏ فيجب رد ما بقي إلى المضاربة‏.‏

وقدر النّفقة يكون بالمعروف عند التجّار من غير إسرافٍ‏,‏ فإن جاوز ذلك ضمن الفضل‏,‏ لأنّ الإذن ثابت بالعادة فيعتبر القدر المعتاد‏.‏

وتكون نفقة العامل في المضاربة الصّحيحة لا الفاسدة‏,‏ لأنّه أجير في الفاسدة فلا نفقة له‏,‏ إذ إنّ نفقة الأجير على نفسه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجوز لعامل المضاربة الإنفاق من مالها على نفسه في زمن سفره للتّجارة وإقامته في البلد الّذي يتّجر فيه وفي حال رجوعه حتّى يصل إلى وطنه‏,‏ ويقضى له بذلك عند المنازعة بشروط‏:‏

الأوّل‏:‏ أن يسافر فعلاً للتّجارة‏,‏ أو يشرع في السّفر‏,‏ أو يحتاج لما يشرع به فيه لتنمية المال - ولو دون مسافة القصر - من طعامٍ وشرابٍ وركوبٍ ومسكنٍ وحمّامٍ وحجامةٍ وغسل ثوبٍ ونحو ذلك على وجه المعروف حتّى يعود لوطنه‏.‏

ومفهوم الشّرط أنّه لا نفقة للعامل في الحضر‏,‏ قال اللّخمي‏:‏ ما لم يشغله عن الوجوه الّتي يقتات منها‏,‏ أي بأن كانت له صنعة مثلاً ينفق منها فعطّلها لأجل عمل المضاربة‏,‏ فله الإنفاق من مالها‏,‏ قال أبو الحسن‏:‏ وهو قيد معتبر‏.‏

الثّاني‏:‏ أن لا يبني بزوجته الّتي تزوّج بها في البلد الّتي سافر إليها لتنمية المال‏,‏ فإن بنى بها سقطت نفقته لأنّه صار كالحاضر‏,‏ فإن بنى بها في طريقه الّتي سافر فيها لم تسقط‏.‏ الثّالث‏:‏ أن يحتمل مال المضاربة الإنفاق بأن يكون كثيراً عرفاً‏,‏ فلا نفقة في اليسير‏.‏ الرّابع‏:‏ أن يكون سفره لأجل تنمية المال‏,‏ أمّا لو كان سفره لزوجة مدخولٍ بها وحجٍّ وغزوٍ فلا نفقة له من مال المضاربة‏,‏ لا في حال ذهابه ولا في حال إقامته في البلد الّتي سافر إليها‏,‏ وأمّا في حال رجوعه فإن رجع من قربةٍ فلا نفقة له‏,‏ وإن رجع من عند أهلٍ لبلد له بها أهل فله النّفقة‏,‏ لأنّ سفر القربة والرجوع منه للّه‏,‏ ولا كذلك الرجوع من عند الأهل‏.‏ والنّفقة بالمعروف تكون في مال المضاربة لا في ذمّة ربّ المال‏,‏ ولو أنفق من مال نفسه رجع به في مال المضاربة‏,‏ فإن تلف فلا رجوع له على ربّه‏,‏ وكذا لو زادت النّفقة على المال لا رجوع له على ربّه بالزّائد‏.‏

وللعامل أن يتّخذ خادماً من المال في حال سفره إن كان أهلاً لأن يخدم بالشروط السّابقة‏.‏ وليس للعامل نفقة الدّواء‏,‏ وليس من الدّواء الحجامة والحمّام وحلق الرّأس بل من النّفقة‏.‏ وللعامل أن يكتسي من مال المضاربة إن طال سفره حتّى امتهن ما عليه‏,‏ ولو كانت البلد الّتي أقام بها غير بعيدةٍ‏,‏ فالمدار على الطول ببلد التّجر‏,‏ والطول بالعرف‏,‏ وذلك مع الشروط السّابقة‏.‏

ويوزّع الإنفاق إن خرج العامل لحاجة غير الأهل والقربة مع خروجه للمضاربة على قدر الحاجة والمضاربة‏,‏ فإن كان ما ينفقه على نفسه في حاجته مائة وفي المضاربة مائة فأنفق مائة كان نصفها عليه ونصفها من مال المضاربة‏,‏ وإن كان ما ينفقه على نفسه في اشتغاله بالمضاربة مائتين وزّع الإنفاق على الثلث والثلثين‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا ينفق العامل من مال المضاربة على نفسه حضراً جزماً‏,‏ وكذا سفراً في الأظهر كما في الحضر‏,‏ لأنّ له نصيباً في الرّبح فلا يستحق شيئاً آخر‏,‏ ولأنّ النّفقة قد تكون قدر الرّبح فيؤدّي إلى انفراده به‏,‏ وقد تكون أكثر فيؤدّي إلى أن يأخذ جزءاً من رأس المال وهو ينافي مقتضاه‏,‏ فلو شرط له النّفقة في العقد فسد‏,‏ وفي مقابل الأظهر أنّه ينفق من مال المضاربة بالمعروف ما يزيد بسبب السّفر كالإداوة والخفّ والسّفرة والكراء لأنّه حبسه عن الكسب بالسّفر لأجل المضاربة‏,‏ فأشبه حبس الزّوجة بخلاف الحضر‏,‏ وتحسب النّفقة من الرّبح فإن لم يكن فهي خسران لحق المال‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ليس للمضارب نفقة من مال المضاربة ولو مع السّفر بمال المضاربة‏,‏ لأنّه دخل على أن يستحقّ من الرّبح شيئاً فلا يستحق غيره‏,‏ إذ لو استحقّها لأفضى إلى اختصاصه به حيث لم يربح سوى النّفقة إلا بشرط‏,‏ قال تقي الدّين ابن تيميّة‏:‏ أو عادةً فإن شرطها رب المال وقدّرها فحسن قطعاً للمنازعة‏,‏ فإن لم يقدّرها واختلفا فله نفقة مثله عرفاً من طعامٍ وكسوةٍ‏,‏ لأنّ إطلاق النّفقة يقتضي جميع ما هو ضروراته المعتادة‏.‏

ثانياً‏:‏ الرّبح المسمّى

48 - ممّا يستحقه المضارب بعمله في المضاربة الصّحيحة هو الرّبح المسمّى إن كان في المضاربة ربح‏,‏ وهذا ما لا خلاف فيه‏.‏

وإنّما اختلفوا في الوقت الّذي يملك المضارب فيه حصّته من ربح المضاربة‏:‏

فذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة في الأظهر و الحنابلة في روايةٍ إلى أنّ المضارب يملك حصّته من الرّبح بالقسمة لا بالظهور‏.‏

قال الكاساني‏:‏ يستحق المضارب بعمله في المضاربة الصّحيحة الرّبح المسمّى - إن كان فيها ربح - وإنّما يظهر الرّبح بالقسمة‏,‏ ويشترط لجواز القسمة قبض المالك رأس المال‏,‏ فلا تصح قسمة الرّبح قبل قبض رأس المال‏,‏ حتّى لو دفع رجل إلى آخر ألف درهمٍ مضاربةً بالنّصف فربح ألفاً‏,‏ فاقتسما الرّبح ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال‏,‏ فهلكت الألف الّتي في يد المضارب بعد قسمتهما الرّبح‏,‏ فإنّ القسمة الأولى لم تصحّ‏,‏ وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله‏,‏ وما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى ربّ المال حتّى يستوفي رب المال رأس ماله‏,‏ ولا تصح قسمة الرّبح حتّى يستوفي رب المال رأس المال‏,‏ والأصل في اعتبار ذلك ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «مثل المصلّي كمثل التّاجر لا يخلص له ربحه حتّى يخلص له رأس ماله‏,‏ كذلك المصلّي لا تقبل نافلته حتّى يؤدّي الفريضة»‏,‏ فدلّ الحديث على أنّ قسمة الرّبح قبل قبض رأس المال لا تصح‏,‏ ولأنّ الرّبح زيادة‏,‏ والزّيادة على الشّيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل‏,‏ ولأنّ المال إذا بقي في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها‏,‏ فلو صحّحنا قسمة الرّبح لثبتت قسمة الفرع قبل الأصل فهذا لا يجوز‏,‏ وإذا لم تصحّ القسمة فإذا هلك ما في يد المضارب صار الّذي اقتسماه هو رأس المال‏,‏ فوجب على المضارب أن يردّ منه تمام رأس المال‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يقسم الرّبح في المضاربة إلا بعد كمال رأس المال‏,‏ وما بقي بعد تمام رأس المال يكون بيد ربّ المال والمضاربة على ما شرطا‏.‏

وقالوا‏:‏ لا يقتسم رب المال والعامل في المضاربة الرّبح حتّى ينضّ رأس المال‏,‏ أو يتراضيا على قسمه‏,‏ لأنّه إذا قسم قبل نضوضه أو التّراضي على قسمه قد تهلك السّلع أو تتحوّل أسواقها فينقص رأس المال‏,‏ فيحصل الضّرر لربّ المال بعدم جبر رأس المال بالرّبح‏,‏ وإن طلب أحدهما نضوضه فالحاكم ينظر في تعجيل ذلك أو تأخيره‏,‏ فما كان صواباً فعله‏,‏ وتجوز قسمة العروض إذا تراضوا عليها وتكون بيعاً‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الأظهر أنّ العامل في المضاربة يملك حصّته من الرّبح الحاصل بعمله بالقسمة للمال لا بظهور الرّبح‏,‏ إذ لو ملك بالظهور لكان شريكاً حتّى لو هلك منه شيء هلك من المالين‏,‏ وليس كذلك‏,‏ بل الرّبح وقاية لرأس المال‏,‏ ومقابل الأظهر عندهم‏:‏ أنّه يملك بالظهور قياساً على المساقاة‏.‏

ولا يستقر ملك العامل في حصّته من الرّبح بالقسمة‏,‏ بل إنّما يستقر بتنضيض رأس المال وفسخ العقد‏,‏ لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض المال‏,‏ حتّى لو حصل بعد القسمة نقص جبر بالرّبح المقسوم‏,‏ أو بتنضيض المال والفسخ بلا قسمةٍ لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال‏,‏ أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس المال‏,‏ وكالأخذ الفسخ كما عبّر به ابن المقري وإن طلب أحد العاقدين في المضاربة قسمة الرّبح قبل المفاصلة فامتنع الآخر لم يجبر‏,‏ لأنّه إن امتنع رب المال لم يجز إجباره‏,‏ لأنّه يقول‏:‏ الرّبح وقاية لرأس المال فلا أعطيك حتّى تسلّم لي رأس المال‏,‏ وإن كان الّذي امتنع هو العامل لم يجز إجباره‏,‏ لأنّه يقول‏:‏ لا نأمن أن نخسر فنحتاج أن نردّ ما أخذ‏.‏

وإن تقاسما - أي قبل المفاصلة - جاز‏,‏ لأنّ المنع لحقهما وقد رضيا‏,‏ فإن حصل بعد القسمة خسران لزم العامل أن يجبره بما أخذ‏,‏ لأنّه لا يستحق الرّبح إلا بعد تسليمه رأس المال‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا ظهر ربح في المضاربة لم يكن للعامل أخذ شيءٍ منه إلا بإذن ربّ المال بلا نزاعٍ عندهم في ذلك‏.‏

والمذهب عند الحنابلة‏,‏ وهو قول مقابل للأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ أنّ العامل يملك حصّته من الرّبح بالظهور قبل القسمة‏.‏

وفي روايةٍ أخرى عند الحنابلة يملك العامل حصّته من الرّبح بالمحاسبة والتّنضيض والفسخ قبل القسمة والقبض‏,‏ ونصّ عليها واختارها ابن تيميّة وغيره‏.‏

وقال المرداوي‏:‏ ويستقر الملك فيها بالمقاسمة عند القاضي وأصحابه‏,‏ ولا يستقر بدونها‏,‏ ومن الأصحاب - كابن أبي موسى وغيره - من قال‏:‏ يستقر بالمحاسبة التّامّة‏,‏ وبذلك جزم أبو بكرٍ‏,‏ قال في القواعد‏:‏ وهو المنصوص صريحاً عن أحمد‏.‏

الزّيادة الحاصلة من مال المضاربة

49 - قال الشّافعيّة‏:‏ ثمار الشّجر والنّتاج من بهيمةٍ‏,‏ وسائر الزّوائد العينيّة الحاصلة من مال المضاربة يفوز بها المالك في الأصحّ‏,‏ لأنّها ليست من فوائد التّجارة الحاصلة بتصرف العامل في مال التّجارة بالبيع والشّراء‏,‏ بل هي ناشئة من عين المال من غير فعلٍ من العامل‏,‏ أمّا لو كانت الزّيادة غير حاصلةٍ من رأس المال‏,‏ كما لو اشترى حيواناً حاملاً أو شجراً عليه ثمر‏,‏ فالأوجه أنّ الولد والثّمرة مال مضاربةٍ‏.‏

وقيل‏:‏ كل ما يحصل من هذه الفوائد مال مضاربةٍ لحصولها بسبب شراء العامل الأصل‏.‏ وقال الحنابلة - على الصّحيح كما ذكر المرداوي - من جملة الرّبح‏:‏ المهر والثّمرة والأجرة والأرش وكذا النّتاج‏,‏ وقال في الفروع‏:‏ ويتوجّه فيه وجه‏.‏

جبر تلف مال المضاربة وخسارته

50 - ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لو تلف بعض مال المضاربة بعد تحريكه والتّصرف فيه أو خسر فإنّه يجبر بالرّبح إن كان‏,‏ أي يكمل من الرّبح ما نقص بالتّلف أو الخسر من رأس المال‏,‏ ثمّ إن لم يكن ربح أو زاد التّلف أو الخسر على الرّبح فإنّه يكون من رأس المال، ولهم تفصيل‏.‏

قال الموصليّ‏:‏ ما هلك من مال المضاربة فمن الرّبح لأنّه تبع كالعفو في باب الزّكاة‏,‏ فإن زاد فمن رأس المال لأنّ المضارب أمين فلا ضمان عليه‏,‏ فإن اقتسما الرّبح والمضاربة بحالها ثمّ هلك رأس المال أو بعضه رجع في الرّبح حتّى يستوفي رأس المال‏,‏ لأنّ الرّبح فضل على رأس المال‏,‏ ولا يعرف الفضل إلا بعد سلامة رأس المال‏,‏ فلا تصح قسمته فينصرف الهلاك إليه‏,‏ ولو فسخت المضاربة ثمّ اقتسما الرّبح‏,‏ ثمّ عقدا المضاربة فهلك رأس المال لم يترادّا الرّبح‏,‏ لأنّ هذه مضاربة جديدة‏,‏ والأولى قد انتهت فانتهى حكمها‏,‏ واشتراط الوضيعة على المضارب باطل‏.‏

وقال النّووي‏:‏ النّقص الحاصل برخص في مال القراض هو خسران مجبور بالرّبح‏,‏ وكذا النّقص بالتّعيب والمرض الحادثين‏,‏ وأمّا النّقص العيني وهو تلف بعض المال‏,‏ فإن حصل بعد التّصرف في المال بيعاً وشراءً فقطع الجمهور بأنّ الاحتراق وغيره من الآفات السّماويّة خسران يجبر بالرّبح‏,‏ وفي التّلف بالسّرقة والغصب إذا تعذّر أخذ البدل من المتلف وجهان‏,‏ وطرد جماعة الوجهين في الآفة السّماويّة‏,‏ والأصح في الجميع الجبر‏.‏

وإن حصل النّقص قبل التّصرف فوجهان‏:‏

أحدهما أنّه خسران فيجبر بالرّبح الحاصل بعد‏,‏ لأنّه بقبض العامل صار مال مضاربةٍ‏,‏ وأصحهما‏:‏ يتلف من رأس المال لا من الرّبح‏,‏ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل‏.‏

هذا إذا تلف بعض مال المضاربة‏,‏ أمّا إذا تلف كله بآفة سماويّةٍ قبل التّصرف أو بعده فترتفع المضاربة‏,‏ وكذا لو أتلفه المالك‏,‏ لكن لو أتلف أجنبي جميع مال المضاربة أو بعضه أخذ منه بدله واستمرّت فيه المضاربة‏.‏

وقال البهوتيّ إن تلف رأس المال أو تلف بعضه بعد تصرفه‏,‏ أو تعيب رأس المال‏,‏ أو خسر بسبب مرضٍ‏,‏ أو تغير صفةٍ‏,‏ أو نزل السّعر بعد تصرف المضارب في رأس المال‏.‏ جبرت الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته‏,‏ ناضاً أو مع تنضيضه بالمحاسبة‏,‏ لأنّه مضاربة واحدة فلا شيء للعامل إلا بعد كمال رأس المال‏.‏

وإن تلف بعض رأس المال قبل تصرف العامل فيه انفسخت المضاربة في التّالف‏,‏ وكان رأس المال هو الباقي خاصّةً‏,‏ لأنّه مال هلك على جهةٍ قبل التّصرف‏,‏ أشبه التّالف قبل القبض‏,‏ وفارق ما بعد التّصرف لأنّه دار في التّجارة‏.‏

وقالوا‏:‏ ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الرّبح لأنّها مضاربة واحدة‏,‏ وتحرم قسمته والعقد باقٍ إلا باتّفاقهما على ذلك‏,‏ لأنّه مع امتناع ربّ المال وقايةً لرأس ماله لأنّه لا يأمن الخسران فيجبره بالرّبح‏,‏ ومع امتناع العامل لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقتٍ لا يقدر عليه‏,‏ فلا يجبر واحد منهما‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه يجبر خسر مال المضاربة بالرّبح‏,‏ هذا في المضاربة الصّحيحة أو الفاسدة الّتي فيها قراض المثل‏,‏ وأمّا الّتي فيها أجرة المثل فلا يتأتّى فيها جبر‏,‏ وضابط ذلك أنّ كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة المثل‏,‏ وأمّا إن شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل‏.‏

ولو دخل المضارب ورب المال على عدم الجبر بالرّبح لم يعمل به والشّرط ملغي‏,‏ قال الصّاوي‏:‏ هذا هو ظاهر ما لمالك وابن القاسم‏,‏ وحكى بهرام مقابله عن جمعٍ فقالوا‏:‏ محل الجبر ما لم يشترطا خلافه وإلا عمل بذلك الشّرط‏,‏ قال بهرام‏:‏ واختاره غير واحدٍ‏,‏ وهو الأقرب لأنّ الأصل إعمال الشّرط لخبر‏:‏ «المسلمون على شروطهم» ما لم يعارضه نص‏.‏ وقالوا‏:‏ يجبر أيضاً بالرّبح ما تلف من مال المضاربة بسماويّ‏,‏ وألحق به ما أخذه لص أو عشّار‏,‏ وإن وقع التّلف قبل العمل بالمال‏,‏ ما لم يقبض رب المال من العامل مال المضاربة‏,‏ فإن قبضه ناقصاً عن أصله ثمّ ردّه له فلا يجبر بالرّبح لأنّه حينئذٍ صار مضاربةً مستأنفةً‏,‏ والجبر إنّما يكون إذا بقي شيء من أصل المال‏,‏ فلو تلف جميعه فأتى له ربه ببدله فلا جبر للأوّل بربح الثّاني‏.‏

ما يستحقه رب المال في المضاربة الصّحيحة

51 - يستحق رب المال في المضاربة الصّحيحة الرّبح المسمّى إذا كان في المال ربح‏,‏ وإن لم يكن فلا شيء له على المضارب‏.‏

زكاة مال المضاربة

52 - اتّفق الفقهاء على أنّ زكاة رأس مال المضاربة على ربّ المال‏.‏

وأمّا زكاة الرّبح فللفقهاء فيها خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 96‏)‏‏.‏

آثار المضاربة الفاسدة

53 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يترتّب على فساد المضاربة‏:‏

أ - أنّ الرّبح - إن حدث - يكون كله لربّ المال‏,‏ لأنّ الرّبح نماء ماله‏,‏ وإنّما يستحق المضارب شطراً منه بالشّرط‏,‏ ولم يصحّ الشّرط لأنّ المضاربة إذا فسدت فسد الشّرط‏,‏ فلم يستحقّ المضارب من الرّبح شيئاً‏,‏ وكان كله لربّ المال‏.‏

ب - أنّ المضارب له أجر مثله - خسر المال أو ربح - لأنّ عمله إنّما كان في مقابلة المسمّى‏,‏ فإذا لم تصحّ التّسمية وجب رد عمله عليه‏,‏ وذلك متعذّر‏,‏ فوجب له أجرة المثل‏,‏ ولأنّ المضاربة الفاسدة في معنى الإجارة الفاسدة‏,‏ والأجير لا يستحق المسمّى في الإجارة الفاسدة‏,‏ وإنّما يستحق أجر المثل‏.‏

وعند الحنفيّة‏:‏ يكون للمضارب أجر مثل عمله مطلقاً‏,‏ وهو ظاهر الرّواية‏,‏ ربح المال أو لا‏,‏ بلا زيادةٍ على المشروط خلافاً لمحمّد‏,‏ وعن أبي يوسف أنّ المال إذا لم يربح لا أجر للمضارب‏,‏ وقال ابن عابدين‏:‏ إنّه هو الصّحيح لئلا تربو المضاربة الفاسدة على الصّحيحة‏,‏ ثمّ قال‏:‏ الخلاف فيما إذا ربح‏,‏ وأمّا إذا لم يربح فأجر المثل بالغاً ما بلغ‏,‏ لأنّه لا يمكن تقديره بنصف الرّبح المعدوم‏,‏ لكن في الواقعات‏:‏ ما قاله أبو يوسف مخصوص بما إذا ربح‏,‏ وما قاله محمّد أنّ له أجر المثل بالغاً ما بلغ فيما هو أعم‏.‏

والأصل عند المالكيّة‏:‏ أنّ كلّ مسألةٍ خرجت عن حقيقة المضاربة من أصلها ففيها أجرة المثل‏,‏ وأمّا إن شملتها المضاربة لكن اختلّ منها شرط ففيها مضاربة المثل‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا فسدت المضاربة فإنّ ما يستحقه المضارب يختلف باختلاف الأحوال‏,‏ على ما يلي‏:‏

أ - يستحق المضارب أجرة مثله ومضاربة مثل المال في ربحه إن ربح‏.‏

ومن ذلك ما إذا كان رأس المال عرضاً دفعه رب المال وتولّى المضارب بيعه وعمل بثمنه مضاربةً‏,‏ أو كان رأس المال رهناً أو وديعةً‏,‏ أو ديناً وكّل ربّ المال المضارب على تخليصه والعمل بما خلّصه مضاربةً‏,‏ أو كان أحد النّقدين دفعه رب المال إلى المضارب ليصرفه ثمّ يعمل بما صرفه مضاربةً، فللمضارب إن عمل أجر مثله في تولّيه بيع العرض أو تخليص الرّهن أو الوديعة أو الدّين‏,‏ أو في تولّيه الصّرف‏,‏ وهذا الأجر يكون في ذمّة ربّ المال‏.‏

وللمضارب في كلٍّ من هذه الصور مع أجر المثل مضاربةً مثل المال في ربحه - إن ربح - لا في ذمّة ربّ المال‏,‏ حتّى إذا لم يحصل ربح لم يكن له شيء‏.‏

ب - يستحق المضارب مضاربة مثل المال‏.‏

ومن ذلك ما إذا انتفى علم نصيب العامل من الرّبح‏,‏ أو إذا أبهمت المضاربة‏,‏ أو أجّلت ابتداءً أو انتهاءً‏,‏ أو ضمن العامل‏,‏ أو شرط عليه شراء ما يقل وجوده‏,‏ فللمضارب في كلّ صورةٍ مضاربة المثل في الرّبح إن عمل وربح المال‏,‏ وإلا فلا شيء له في ذمّة ربّ المال‏.‏ ج - يستحق المضارب أجر مثله‏.‏

وذلك في غير ما سبق - ونحوه - من المضاربات الفاسدة‏,‏ كاشتراط يده‏,‏ أو مشاورته‏,‏ أو أمينٍ عليه‏,‏ أو كخياطة أو فرزٍ‏,‏ أو تعيين محلٍّ‏,‏ أو زمنٍ‏,‏ أو شخصٍ‏,‏ أو مشاركةٍ‏,‏ أو خلطٍ‏.‏

وفرّق المالكيّة بين ما فيه مضاربة المثل وما فيه أجر المثل من المضاربات الفاسدة من وجوهٍ‏:‏

أ - أنّ ما فيه مضاربة المثل لا شيء للمضارب فيه إن لم يحصل ربح‏,‏ بخلاف أجرة المثل فإنّها لا ترتبط بحصول ربحٍ‏,‏ بل تثبت في الذّمّة ولو لم يحصل ربح‏.‏

ب - أنّ ما فيه مضاربة المثل يفسخ قبل العمل ويفوت بالعمل‏,‏ وما فيه أجرة المثل يفسخ متى اطّلع عليه وله أجرة ما عمل‏.‏

ج - أنّ العامل يكون أحقّ من الغرماء إذا كان له مضاربة المثل‏,‏ ويكون أسوتهم إذا كان له أجر المثل، على ظاهر المدوّنة والموّازيّة‏,‏ ما لم يكن الفساد باشتراط عمل يده - كأن يشترط عليه أن يخيط مثلاً - فإنّه حينئذٍ يكون أحقّ به من الغرماء لأنّه صانع‏.‏

54 - نقل في الفتاوى الهنديّة عن الفصول العماديّة أنّ كلّ ما جاز للمضارب في المضاربة الصّحيحة من شراءٍ وبيعٍ أو إجارةٍ أو بضاعةٍ أو غير ذلك فهو جائز في المضاربة الفاسدة‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ تصرفات العامل في المضاربة الفاسدة نافذة كتصرفاته في الصّحيحة‏,‏ لإذن ربّ المال له في التّصرف‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا فسدت المضاربة وبقي الإذن لنحو فوات شرطٍ - ككونه غير نقدٍ - نفذ تصرف العامل نظراً لبقاء الإذن كالوكالة الفاسدة‏,‏ هذا إذا قارضه المالك بماله‏,‏ أمّا إذا قارضه بمال غيره بوكالة أو ولايةٍ أو فسد القراض لعدم الأهليّة فلا ينفذ تصرفه‏.‏

55 - وقال الحنفيّة والحنابلة‏:‏ لا ضمان على العامل في المضاربة الفاسدة‏,‏ لأنّ ما لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده‏.‏

اختلاف ربّ المال والمضارب

قد يختلف رب المال والمضارب في بعض المسائل منها‏:‏

أوّلاً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في العموم والخصوص

56 - فصّل الحنفيّة اختلاف ربّ المال والمضارب في العموم والخصوص فقالوا‏:‏ إن اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدّعي العموم‏,‏ بأن ادّعى أحدهما المضاربة في عموم التّجارات أو في عموم الأمكنة أو مع عموم الأشخاص‏,‏ وادّعى الآخر نوعاً دون نوعٍ ومكاناً دون مكانٍ وشخصاً دون شخصٍ‏,‏ لأنّ قول من يدّعي العموم موافق للمقصود بالعقد‏,‏ وهو الرّبح‏,‏ وهذا في العموم أوفر‏.‏

ولو اختلفا في الإطلاق والتّقييد فالقول قول من يدّعي الإطلاق لأنّه أقرب إلى المقصود بالعقد وهو الرّبح‏.‏

وقال الحسن بن زيادٍ‏:‏ إنّ القول قول ربّ المال في الفصلين جميعاً‏,‏ وقيل‏:‏ إنّه قول زفر‏,‏ ووجهه أنّ الإذن يستفاد من ربّ المال فكان القول في ذلك قوله‏.‏

فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة مدّعي العموم في الاختلاف في العموم والخصوص لأنّها تثبت زيادةً‏,‏ وبيّنة مدّعي التّقييد عند الاختلاف في الإطلاق والتّقييد لأنّها تثبت زيادةً فيه وبيّنة الإطلاق ساكتة‏.‏

ولو اتّفقا على الخصوص لكنّهما اختلفا في ذلك الخاصّ‏,‏ فقال رب المال‏:‏ دفعت إليك مضاربةً في البزّ‏,‏ وقال المضارب‏:‏ في الطّعام‏.‏

فالقول قول ربّ المال - باتّفاقهم - لأنّه لا يمكن التّرجيح هنا بالمقصود من العقد لاستوائهما في ذلك فترجّح بالإذن وأنّه يستفاد من ربّ المال‏.‏

فإن أقاما بيّنةً، فالبيّنة بيّنة المضارب لأنّ بيّنته مثبتة وبيّنة ربّ المال نافية‏,‏ لأنّه لا يحتاج إلى الإثبات والمضارب يحتاج إلى الإثبات لدفع الضّمان عن نفسه‏,‏ فالبيّنة المثبتة للزّيادة أولى‏.‏

ثانياً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في قدر رأس المال

57 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا اختلف رب المال والعامل في قدر رأس المال المدفوع للمضاربة فقال رب المال‏:‏ دفعت ألفين‏,‏ وقال العامل‏:‏ بل دفعت ألفاً، فالقول قول العامل‏,‏ لأنّه مدّعىً عليه وهو أمين‏,‏ ولأنّ القول في مقدار المقبوض للقابض أميناً أو ضميناً كما لو أنكره‏,‏ ولأنّ الأصل عدم القبض فلا يلزمه إلا ما أقرّ به‏,‏ ولأنّ ربّ المال يدّعي عليه قبض شيءٍ وهو ينكره‏,‏ والقول قول المنكر‏.‏

ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر قوله‏:‏ أجمع من نحفظ عنهم من أهل العلم أنّ القول قول العامل في قدر رأس المال‏.‏

وقيّد الشّافعيّة الحكم السّابق بما إذا لم يكن في المال ربح‏,‏ فأمّا إن كان في المال ربح ففي المسألة وجهان‏:‏

أحدهما أنّ القول قول العامل‏,‏ والثّاني‏:‏ أنّهما يتحالفان‏,‏ لأنّهما اختلفا فيما يستحقّان من الرّبح فتحالفا كما لو اختلفا في قدر الرّبح المشروط‏,‏ قال الشّيرازي‏:‏ والصّحيح هو الأوّل لأنّ الاختلاف في الرّبح المشروط اختلاف في صفة العقد فتحالفا‏,‏ كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثّمن‏,‏ وهذا اختلاف فيما قبض‏,‏ فكان الظّاهر مع الّذي ينكر‏,‏ كالمتبايعين إذا اختلفا في قبض الثّمن فإنّ القول قول البائع‏.‏

وأضاف الحنفيّة أنّه لو كان الاختلاف مع ذلك في مقدار الرّبح فالقول لربّ المال في مقدار الرّبح فقط لأنّه يستفاد من جهته‏,‏ وأيهما أقام بيّنةً تقبل‏,‏ وإن أقاماها فالبيّنة بيّنة ربّ المال في دعواه الزّيادة في رأس المال لأنّها في ذلك أكثر إثباتاً‏,‏ وبيّنة المضارب في دعواه الزّيادة في الرّبح لأنّها في ذلك أكثر إثباتاً‏.‏

ثالثاً‏:‏ الاختلاف بين ربّ المال والمضارب في أصل المضاربة

ذكر الفقهاء للاختلاف بين ربّ المال والمضارب في أصل المضاربة صوراً‏,‏ منها‏:‏

أ - اختلافهما في كون رأس المال مضاربةً أو قرضاً‏:‏

58 - فصّل الفقهاء حكم اختلاف ربّ المال والمضارب في كون رأس المال كان مضاربةً أو قرضاً‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لو قال رب المال‏:‏ دفعت إليك المال مضاربةً‏,‏ وقال المضارب‏:‏ أقرضتني المال والرّبح لي‏,‏ فالقول قول ربّ المال لأنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر‏,‏ فإن أقاما بيّنةً‏,‏ فالبيّنة بيّنة المضارب لأنّها تثبت التّمليك‏,‏ ولأنّه لا تنافي بين البيّنتين لجواز أن يكون أعطاه مضاربةً ثمّ أقرضه‏.‏

ولو قال المضارب‏:‏ دفعت إليّ مضاربةً‏,‏ وقال رب المال‏:‏ بل أقرضتك‏,‏ فالقول قول المضارب لأنّهما اتّفقا على أنّ الأخذ كان بإذن ربّ المال‏,‏ ورب المال يدّعي على المضارب الضّمان وهو ينكر فكان القول له‏,‏ فإن قامت بيّنة لهما فالبيّنة بيّنة ربّ المال لأنّها تثبت أصل الضّمان‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ لو قال رب المال‏:‏ أعطيتك المال مضاربةً‏,‏ وقال العامل‏:‏ بل سلفاً، فالقول قول العامل‏,‏ لأنّ ربّ المال هنا مدّعٍ في الرّبح فلا يصدّق‏.‏

ولو أنّ رجلاً قال لرجل‏:‏ لك عندي ألف درهمٍ مضاربةً‏,‏ وقال رب المال بل هي عندك سلفاً‏,‏ فالقول قول ربّ المال‏.‏

وعند الشّافعيّة - كما قال الشّهاب الرّمليّ - لو قال المالك‏:‏ مضاربةً‏,‏ وقال الآخر‏:‏ قرضاً‏,‏ عند بقاء المال وربحه‏,‏ فالظّاهر أنّ القول قول مدّعي القرض لأمور منها‏:‏ أنّه قادر على جعل الرّبح له بقوله‏:‏ اشتريت هذا لي فإنّه يكون القول قوله‏,‏ ولو انعكس قولهما بعد تلف المال في يد العامل صدّق العامل - كما أفتى الأنصاري والبغويّ وابن الصّلاح - لأنّهما اتّفقا على جواز التّصرف والأصل عدم الضّمان‏,‏ وإن أقام كل منهما بيّنةً بما ادّعاه فوجهان‏:‏ أوجههما تقديم بيّنة المالك لأنّ معها زيادة علمٍ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لو دفع إليه ما لا يتّجر به ثمّ اختلفا فقال رب المال‏:‏ كان مضاربةً على النّصف - مثلاً - فربحه بيننا‏,‏ وقال العامل‏:‏ كان قرضاً فربحه كله لي، فالقول قول ربّ المال‏,‏ لأنّ الأصل بقاء ملكه عليه‏,‏ فيحلف رب المال‏,‏ ويقسم الرّبح بينهما نصفين‏,‏ وإن أقام كل واحدٍ منهما بيّنةً بدعواه تعارضت البيّنتان وسقطتا‏,‏ وقسم الرّبح بينهما نصفين‏,‏ نصّ عليه في رواية مهنا‏,‏ لأنّ الأصل بقاء ملك ربّ المال عليه وتبعه الرّبح‏,‏ لكن قد اعترف بنصف الرّبح للعامل فبقي الباقي على الأصل‏,‏ والمذهب‏:‏ تقدّم بيّنة العامل‏.‏

ب - اختلافهما في كون رأس المال

مضاربةً أو بضاعةً‏:‏

59 - للفقهاء تفصيل في اختلاف طرفي المضاربة في كون رأس المال مضاربةً أو بضاعةً فقال الحنفيّة‏:‏ لو قال رب المال‏:‏ دفعت إليك بضاعةً وقال المضارب‏:‏ مضاربةً بالنّصف فالقول قول ربّ المال، لأنّ المضارب يستفيد الرّبح بشرطه وهو منكر فكان القول قوله أنّه لم يشترط‏,‏ ولأنّ المضارب يدّعي استحقاقاً في مال الغير فالقول قول صاحب المال‏.‏

ولو قال المضارب‏:‏ أقرضتني المال والرّبح لي‏,‏ وقال رب المال‏:‏ دفعته إليك بضاعةً فالقول قول ربّ المال‏,‏ لأنّ المضارب يدّعي عليه التّمليك وهو منكر‏,‏ فإن أقاما بيّنةً فالبيّنة بيّنة المضارب‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن ادّعى العامل أنّه مضاربة‏,‏ وقال رب المال‏:‏ بل أبضعته معك لتعمل لي به‏,‏ فإنّ القول حينئذٍ قول ربّ المال بيمينه أنّه ليس بمضاربة‏,‏ ويكون للعامل أجر مثله ما لم يزد على ما ادّعاه فلا يزاد‏,‏ وإن نكل كان القول قول العامل مع يمينه إذا كان ممّن يستعمل مثله في المضاربة‏.‏

وقال الحنابلة إن قال رب المال‏:‏ كان بضاعةً فربحه لي‏,‏ وقال العامل‏:‏ كان مضاربةً فربحه لنا، حلف كل منهما على إنكار ما ادّعاه خصمه، لأنّ كلاً منهما منكر لما ادّعاه خصمه عليه‏,‏ والقول قول المنكر‏,‏ وكان للعامل أجرة مثله‏,‏ والباقي لربّ المال، لأنّه نماء ماله تابع له‏.‏

ج - اختلافهما في كون رأس المال

مضاربةً أو غصباً‏:‏

60 - قال الحنفيّة‏:‏ لو قال المضارب‏:‏ دفعته إليّ مضاربةً‏,‏ وقد ضاع المال قبل أن أعمل به‏,‏ وقال رب المال‏:‏ أخذته غصباً‏,‏ فلا ضمان على المضارب لأنّه ما أقرّ بوجود السّبب الموجب للضّمان عليه وإنّما أقرّ بتسليم ربّ المال إليه وذلك غير موجبٍ للضّمان عليه‏,‏ ورب المال يدّعي عليه الغصب الموجب للضّمان وهو ينكر‏,‏ فإن كان عمل به ثمّ ضاع فهو ضامن للمال‏,‏ لأنّ عمله في مال الغير سبب موجب للضّمان عليه ما لم يثبت إذن صاحبه فيه ولم يثبت ذلك لإنكاره‏,‏ فأمّا إن أقاما البيّنة، فالبيّنة بيّنة المضارب في الوجهين لأنّه يثبت تسليم ربّ المال والإذن له في العمل ببيّنة‏.‏

ولو قال المضارب‏:‏ أخذت منك هذا المال مضاربةً فضاع قبل أن أعمل به أو بعد ما عملت‏,‏ وقال رب المال‏:‏ أخذته منّي غصباً، فالقول قول ربّ المال‏,‏ والمضارب ضامن‏,‏ لأنّه أقرّ بالأخذ وهو سبب موجب للضّمان‏,‏ ثمّ ادّعى المسقط وهو إذن صاحبه فلا يصدّق في ذلك إلا بحجّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا قال العامل‏:‏ المال بيدي مضاربةً أو وديعةً‏,‏ وقال رب المال‏:‏ بل غصبته منّي أو سرقته منّي‏,‏ فإنّ القول قول العامل مع يمينه والبيّنة على ربّ المال‏,‏ لأنّه مدّعٍ‏,‏ ولأنّ الأصل عدم الغصب والسّرقة ولو كان مثله يشبه أن يغصب أو يسرق‏.‏

د - اختلافهما في كون العقد مضاربةً أو وكالةً‏:‏

61 - قال الشّافعيّة‏:‏ إذا اختلف العامل ورب المال في أصل المضاربة فقال العامل‏:‏ ضاربتني وقال المالك‏:‏ بل وكّلتك، صدّق المالك بيمينه‏,‏ لأنّ الأصل عدم مقابلة العمل بشيء‏,‏ فإذا حلف أخذ المال وربحه ولا شيء عليه للآخر‏,‏ فإن أقاما بيّنتين فالظّاهر - كما قال الأنصاري - تقديم بيّنة العامل لأنّ معها زيادة علمٍ‏.‏

وقال الشّهاب الرّمليّ‏:‏ صدّق المالك بيمينه‏,‏ إذ القاعدة أنّ من كان القول قوله في أصل الشّيء كان القول قوله في صفته‏,‏ مع أنّ الأصل عدم الائتمان الدّافع للضّمان‏.‏

هـ - جحود العامل المضاربة‏:‏

62 - قال الحنفيّة‏:‏ لو جحد المضارب المضاربة أصلاً ورب المال يدّعي دفع المال إليه مضاربةً فالقول قول المضارب‏,‏ لأنّ ربّ المال يدّعي عليه قبض ماله وهو ينكر‏,‏ فكان القول قوله‏,‏ ولو جحد ثمّ أقرّ، فروى ابن سماعة عن أبي يوسف قوله في رجلٍ دفع إلى رجلٍ مالاً مضاربةً ثمّ طلبه منه فقال‏:‏ لم تدفع إليّ شيئاً‏,‏ ثمّ قال‏:‏ بلى أستغفر اللّه العظيم قد دفعت إليّ ألف درهمٍ مضاربةً، هو ضامن للمال‏,‏ لأنّه أمين والأمين إذا جحد الأمانة ضمن كالمودع‏,‏ وهذا لأنّ عقد المضاربة ليس بعقد لازمٍ‏,‏ بل هو عقد جائز محتمل للفسخ‏,‏ فكان جحوده فسخاً له أو رفعاً له‏,‏ وإذا ارتفع العقد صار المال مضموناً عليه‏,‏ فإن اشترى به مع الجحود كان مشترياً لنفسه لأنّه ضامن للمال فلا يبقى حكم المضاربة‏,‏ لأنّ من حكم المضارب أن يكون المال أمانةً في يده‏,‏ فإذا صار ضميناً لم يبق أميناً‏,‏ فإن أقرّ بعد الجحود لا يرتفع الضّمان‏,‏ لأنّ العقد قد ارتفع بالجحود فلا يعود إلا بسبب جديدٍ‏.‏

رابعاً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في كون ما اشتري للمضاربة أو للعامل

63 - ذهب الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ العامل إن قال‏:‏ اشتريت هذه السّلعة لنفسي‏,‏ وقال رب المال‏:‏ اشتريتها للمضاربة‏,‏ أو قال العامل‏:‏ اشتريتها للمضاربة‏,‏ وقال رب المال‏:‏ بل لنفسك، فالقول قول العامل‏,‏ لأنّه قد يشتري لنفسه وقد يشتري للمضاربة ولا يتميّز أحدهما عن الآخر إلا بالنّيّة فوجب الرجوع إليه‏,‏ ولأنّ الاختلاف هنا في نيّة المشتري وهو أعلم بما نواه لا يطّلع عليه أحد سواه‏,‏ فكان القول قوله فيما نواه‏.‏

وفرّق النّووي بين المسألتين فقال‏:‏ إذا قال العامل‏:‏ اشتريت هذا للمضاربة‏,‏ فقال المالك‏:‏ بل لنفسك، فالقول قول العامل على المشهور‏,‏ وفي قولٍ‏:‏ قول المالك‏,‏ لأنّ الأصل عدم وقوعه عن المضاربة‏,‏ ولو قال العامل‏:‏ اشتريته لنفسي‏,‏ فقال المالك‏:‏ بل للمضاربة، صدّق العامل بيمينه قطعاً‏.‏

وقال الشّربيني الخطيب‏:‏ يصدّق العامل في قوله‏:‏ اشتريت هذا الشّيء للمضاربة وإن كان خاسراً‏,‏ أو لي وإن كان رابحاً‏,‏ لأنّه مأمون وهو أعرف بقصده‏,‏ ولأنّه في الثّانية في يده‏.‏

وقال‏:‏ محل قبول قوله أنّه اشتراه لنفسه إذا وقع العقد على الذّمّة لأنّ التّعويل فيه على النّيّة‏,‏ أمّا إذا ادّعى أنّه اشتراه لنفسه وأقام المالك بيّنةً أنّه اشتراه بعين مال المضاربة ففيه وجهان‏:‏ رجّح ابن المقري منهما أنّه يبطل العقد‏,‏ وبه صرّح الماورديّ والشّاشي والفارقيّ وغيرهم‏.‏

كما نقله عنهم الأذرعي وغيره لأنّه قد يشتري لنفسه بمال المضاربة عدواناً‏,‏ ورجّح صاحب الأنوار أنّه يحكم به للمضاربة‏,‏ ثمّ قال‏:‏ قال الإمام والغزالي والقشيريّ‏:‏ كل شراءٍ وقع بمال المضاربة لا شكّ في وقوعه لها ولا أثر لنيّة العامل‏,‏ لإذن المالك له في الشّراء‏.‏ ثمّ قال الشّربيني الخطيب‏:‏ والقول بالبطلان أوجه كما اعتمده الشّهاب الرّمليّ‏.‏

وقال الحنفيّة من دفع إلى آخر ألف درهمٍ مضاربةً بالنّصف فاشترى دابّةً بألف درهمٍ ولم يقل عند الشّراء إنّه اشتراها للمضاربة‏,‏ فلمّا قبضها قال‏:‏ اشتريتها وأنا أنوي أن تكون على المضاربة‏,‏ وكذّبه رب المال فقال‏:‏ اشتريتها لنفسك‏,‏ هل يصدّق المضارب فيما قال‏؟‏ فهذه المسألة لا تخلو من أربعة أوجهٍ‏:‏

إمّا أن يكون مال المضاربة والدّابّة قائمين وقت إقرار المضارب‏,‏ أو كانا هالكين‏,‏ أو كانت الدّابّة قائمةً ومال المضاربة هالكاً‏,‏ أو كان مال المضاربة قائماً والدّابّة هالكةً‏.‏

ففي الوجه الأوّل‏:‏ القول قول المضارب مع يمينه‏,‏ فإن هلك مال المضاربة في يده قبل التّسليم إلى البائع فإنّه يرجع على ربّ المال بثمنه ويسلّمه إلى البائع‏,‏ وفي الوجه الثّاني‏:‏ لا يصدّق المضارب من غير بيّنةٍ ويضمن المضارب للبائع ألف درهمٍ، ولا يرجع على ربّ المال بشيء‏,‏ وكذلك الجواب في الوجه الثّالث‏,‏ وفي الوجه الرّابع‏:‏ ذكر أنّ المضارب يصدّق على ربّ المال في حقّ تسليم ما في يده من رأس مال المضاربة إلى البائع‏,‏ وإذا هلك في يده وأراد أن يرجع على ربّ المال بألف آخر فإنّه لا يكون مصدّقاً‏.‏

ولو كان المضارب اشترى الدّابّة بألف المضاربة‏,‏ ثمّ نقد ثمنها من مال نفسه‏,‏ وقال اشتريتها لنفسي‏,‏ وكذّبه رب المال فالقول قول ربّ المال‏,‏ ويأخذ المضارب ألف المضاربة قصاصاً بما أدّاه‏,‏ ولو كان اشترى الدّابّة بألف درهمٍ‏,‏ ولم يسمّ مضاربةً ولا غيرها‏,‏ ثمّ قال اشتريتها لنفسي فالقول قوله‏.‏

وإن اتّفقا أنّه لم تحضر للمضارب نيّة وقت الشّراء‏,‏ فعلى قول أبي يوسف يحكم النّقد إن نقد من مال المضارب كان الشّراء للمضاربة‏,‏ وإن نقد من ماله كان الشّراء له‏,‏ وعند محمّدٍ يكون الشّراء واقعاً للمضارب نقد من ماله أو من مال المضارب‏,‏ كما في الوكيل الخاصّ‏.‏

خامساً‏:‏ اختلافهما في النّهي بعد الإذن

64 - ذهب الفقهاء إلى أنّ القول قول المضارب إذا قال رب المال له‏:‏ كنت نهيتك عن شراء هذا‏,‏ فقال‏:‏ لم تنهني‏,‏ لأنّ الأصل عدم النّهي‏,‏ ولأنّ قول ربّ المال دعوى خيانةٍ على المضارب‏,‏ فكان القول قوله‏.‏

سادساً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في صحّة عقد المضاربة أو فساده

65 - ذهب الحنفيّة و المالكيّة في المذهب إلى أنّه إذا ادّعى المضارب فساد المضاربة فالقول لربّ المال‏,‏ وإذا ادّعى رب المال فسادها فالقول للمضارب‏,‏ بمعنى أنّ القول لمدّعي الصّحّة من ربّ المال والمضارب‏,‏ وزاد المالكيّة‏:‏ ولو غلب الفساد‏,‏ لأنّ هذا الباب ليس من الأبواب الّتي يغلب فيها الفساد‏,‏ وهذا هو المعوّل عليه‏.‏

واستثنى الحنفيّة من هذا الأصل ما إذا قال رب المال‏:‏ شرطت لك الثلث وزيادة عشرةٍ‏,‏ وقال المضارب‏:‏ الثلث‏,‏ فالقول للمضارب‏.‏

ويؤخذ من القواعد المقرّرة لدى الشّافعيّة و الحنابلة أنّه عند الاختلاف في فساد عقد المضاربة أو صحّته يكون القول لمدّعي الصّحّة منهما‏.‏

ويرى المالكيّة في قولٍ أنّه عند غلبة الفساد يكون القول لمن ادّعى الفساد‏.‏

سابعاً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في تلف رأس المال

66 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اختلف العامل ورب المال في تلف المال‏,‏ بأن ادّعاه العامل وأنكره رب المال‏.‏

فالقول قول العامل لأنّه أمين والأصل عدم الخيانة‏.‏

قال النّووي‏:‏ يصدّق العامل بيمينه‏,‏ هذا إذا لم يذكر سبب التّلف ولا يكلّف بيان سببه‏,‏ أمّا إذا ذكر سبب التّلف وكان السّبب خفياً كالسّرقة صدّق بيمينه‏,‏ وإن ادّعاه بسبب ظاهرٍ كالحريق والغارة والسّيل فإن لم يعرف ما ادّعاه بتلك البقعة لم يقبل قوله في الهلاك به‏,‏ وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة‏,‏ نظر إن عرف عمومه صدّق بلا يمينٍ وإن لم يعرف عمومه واحتمل أنّه لم يصب مال المضاربة صدّق باليمين‏.‏

وأضاف الدّردير والبهوتي‏:‏ محل ذلك إذا لم تقم على كذبه أو تشهد بخلاف ذلك قرينة أو بيّنة إن قبضه بلا بيّنةٍ توثّق‏,‏ وزاد البهوتيّ‏:‏ وإن ادّعى الهلاك بأمر ظاهرٍ كلّف بيّنةً تشهد به‏,‏ ثمّ حلف أنّه تلف به‏.‏

وقال الصّاوي‏:‏ توجه اليمين هو الرّاجح‏,‏ وقيل‏:‏ بغير يمينٍ‏,‏ والحلف جارٍ على الخلاف في أيمان التهمة‏,‏ وفيها أقوال ثلاثة‏:‏

قيل تتوجّه مطلقاً وهو المعتمد‏,‏ وقيل‏:‏ لا مطلقاً‏,‏ وقيل‏:‏ تتوجّه إن كان متّهماً عند النّاس وإلا فلا‏.‏

ثامناً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في الرّبح الحاصل بالمضاربة

67 - ذهب الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف العامل والمالك في الرّبح‏,‏ فقال العامل‏:‏ ما ربحت‏,‏ أو ما ربحت إلا ألفاً‏,‏ فقال المالك‏:‏ ألفين‏,‏ فالقول قول العامل‏,‏ وصرّح الشّافعيّة بأنّ العامل يصدّق بيمينه‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنفيّة‏:‏ إذا قال المضارب‏:‏ ربحت ألفاً‏,‏ وادّعى أنّه غلط فيه‏,‏ وأظهر ذلك خوفاً من نزع المال من يده لم يقبل منه‏,‏ لأنّ هذا رجوع عن إقراره بمال غيره فلم يقبل في حصّة الآخر‏.‏

تاسعاً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في قدر الجزء المشروط من الرّبح

68 - ذهب الحنفيّة و الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب المال والمضارب في قدر الجزء المشروط من الرّبح فادّعى العامل النّصف - مثلاً - وقال رب المال‏:‏ الثلث‏,‏ فالقول قول ربّ المال لأنّه لو أنكر الرّبح رأساً كان القول قوله فكذلك قدره‏,‏ فإن أقاما جميعاً البيّنة فالبيّنة بيّنة المضارب‏.‏

وقال زفر‏:‏ القول قول العامل لأنّهما اتّفقا على أنّه يستحق المضاربة‏,‏ وظاهر الحال التّساوي فكان القول قوله‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ القول للعامل بيمينه في قدر جزء الرّبح إذا تنازعا بعد العمل وأمّا قبل العمل فلا فائدة لكون القول قول العامل لأنّ لربّ المال فسخه بشرطين‏:‏

الأوّل‏:‏ إن ادّعى شبهاً‏,‏ أي جزءاً يشبه أن يكون جزء قراضٍ في العادة كالثلث أو النّصف وقد جرت بهما عادة النّاس‏,‏ سواء أشبه رب المال أم لا‏,‏ وأمّا لو انفرد رب المال بالشّبه فيكون القول قوله‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يكون المال بيد العامل ولو حكماً‏,‏ فلو سلّمه لربّه على وجه المفاصلة لم يكن القول قول العامل ولو مع وجود شبهه إن بَعُدَ قيامه‏,‏ فإن قرب فالقول قوله، كما قاله أبو الحسن‏.‏

وقالوا‏:‏ القول لربّ المال بيمينه - سواء كان تنازعهما قبل العمل أو بعده إن ادّعى في قدر جزء الرّبح الشّبه ولم يشبّه العامل‏,‏ فإن لم يشبّه ربه أيضاً فمضاربة المثل، أي جزء مضاربة المثل‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ طرفي عقد المضاربة إن اختلفا في قدر الرّبح المشروط للعامل - فقال العامل‏:‏ النّصف‏,‏ وقال المالك بل الثلث - تحالفا كالمتبايعين‏,‏ فإذا حلفا فسخ العقد‏,‏ واختصّ الرّبح والخسران بالمالك‏,‏ ووجبت عليه للعامل أجرة مثله وإن زادت على مدّعاه‏,‏ لأنّ مقتضى التّحالف والفسخ رجوع كلٍّ من العوضين لصاحبه‏,‏ فإن تعذّر فقيمته‏,‏ وقد رجع المال وربحه للمالك وقياسه رجوع العمل للعامل لكنّه تعذّر‏,‏ فأوجبنا قيمته وهي الأجرة‏.‏

وفي وجهٍ‏:‏ أنّ الأجرة إن كانت أكثر ممّا ادّعاه العامل فليس له إلا ما ادّعاه‏.‏

عاشراً‏:‏ اختلاف ربّ المال والمضارب في ردّ رأس المال

69 - ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة في الأصحّ وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف رب المال والعامل في ردّ رأس مال المضاربة إلى مالكه أو عدم ردّه، فإنّ القول هو قول العامل‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ القول قول العامل أنّه ردّ مال المضاربة إلى ربّه حيث قبضه بغير بيّنةٍ‏,‏ وإلا فلا بدّ من بيّنةٍ تشهد له بالرّدّ على المشهور‏,‏ لأنّ القاعدة أنّ كلّ شيءٍ أخذ بإشهاد لا يبرأ منه إلا بإشهاد‏,‏ ولا بدّ أن تكون البيّنة مقصودةً للتّوثق‏,‏ ولا بدّ من حلفه على دعوى الرّدّ وإن لم يكن منهما اتّفاقاً، أي عندهم‏.‏

وقالوا‏:‏ هذا فيما إذا ادّعى العامل ردّ رأس المال وربحه‏,‏ أو ادّعى ردّ رأس المال وحصّة ربّ المال من الرّبح حيث كان فيه ربح‏,‏ وأمّا إن ادّعى ردّ رأس المال دون ربحٍ حيث كان فيه ربح فقال اللّخمي‏:‏ يقبل قوله‏,‏ وقال القابسي‏:‏ لا يقبل قوله‏,‏ وظاهر المدوّنة عدم قبول قولـه ولو أبقى العامل بيده قدر حصّته من الرّبح‏,‏ وقال العدويّ‏:‏ كلام ابن رشدٍ يقتضي اعتماد القول الأوّل‏.‏

ويرى الحنابلة في المذهب وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّه إن ادّعى العامل ردّ المال فأنكر رب المال، فالقول قول ربّ المال مع يمينه‏,‏ نصّ عليه أحمد‏,‏ لأنّ العامل قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ردّه‏,‏ ولأنّ ربّ المال منكر والقول قول المنكر‏,‏ ولأنّ المضارب لم يقبض رأس المال إلا لنفع نفسه ولم يأخذه لنفع ربّ المال‏.‏

انفساخ المضاربة

المضاربة تنفسخ بأسباب منها‏:‏

أوّلاً‏:‏ موت ربّ المال أو المضارب

70 - ذهب الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة إلى أنّ المضاربة تنفسخ بموت ربّ المال أو المضارب‏,‏ لأنّ المضاربة كالوكالة‏,‏ أو تشتمل عليها‏,‏ والوكالة تبطل بموت الموكّل أو الوكيل‏,‏ غير أنّهم قالوا‏:‏ إنّ رأس المال إذا كان عند الموت عرضاً فإنّ للمضارب البيع لتنضيضه‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه‏:‏ إن مات عامل المضاربة قبل نضوض رأس مالها فلوارثه الأمين - لا غيره - أن يكمل العمل على حكم مورّثه‏,‏ فيبيع ما بقي من سلع المضاربة ويأخذ حظّ مورّثه من الرّبح‏,‏ ولا ينفسخ عقد المضاربة بموت العامل ارتكاباً لأخفّ الضّررين‏,‏ وهما‏:‏ ضرر الورثة في الفسخ‏,‏ وضرر ربّ المال في إبقائه عندهم‏,‏ ولا شكّ أنّ ضرر الورثة بالفسخ أشد لضياع حقّهم في عمل مورّثهم‏.‏

وإن لم يكن وارث العامل أميناً أتى الوارث بأمين‏,‏ كالعامل الأوّل الّذي مات في الأمانة والثّقة‏,‏ يكمل العمل في مال المضاربة ويكون بصيراً بالبيع والشّراء‏,‏ بخلاف أمانة الوارث فلا يشترط فيها مساواتها لأمانة المورّث‏,‏ والفرق أنّه يحتاط في الأجنبيّ ما لا يحتاط في الوارث‏,‏ قال الدسوقي‏:‏ وبعضهم اكتفى بمطلق الأمانة في الأجنبيّ وإن لم تكن مثل الأمانة في الأوّل‏.‏

وإن لم يكن الوارث أميناً ولم يأت بأمين كالأوّل سلّم الوارث المال لربّه تسليماً هدراً‏,‏ أي بغير أخذ شيءٍ من ربحٍ أو أجرةٍ في نظير عمل من مات‏,‏ لأنّ المضاربة كالجعالة لا يستحق جعلها إلا بتمام العمل‏,‏ أي فكذلك عامل المضاربة لا يستحق شيئاً إلا بتمام العمل فيها‏,‏ والفرض هنا أنّه لم يتمّ‏.‏

وفي المدوّنة - بعد مثل ما سبق من التّفصيل للمالكيّة - إن مات رب المال فهؤلاء على مضاربتهم بحال ما كانوا إن أراد الورثة ذلك‏,‏ فإن أراد الورثة أخذ مالهم فليس لهم ذلك عند مالكٍ‏,‏ ولكن ينظر في السّلع‏:‏ فإن رأى السلطان وجه بيعٍ باع فأوفى رأس المال‏,‏ وما بقي من الرّبح على ما اشترطا‏,‏ وإن لم ير السلطان وجه بيعٍ أخّر السّلع حتّى يرى وجه بيعٍ‏.‏

وفيها‏:‏ إن مات رب المال والمال في يدي المضارب ولم يعمل به بعد فلا ينبغي - في قول مالكٍ - أن يعمل به ويؤخذ منه‏,‏ فإن لم يعلم العامل بموت ربّ المال حتّى اشترى بالمال بعد موت ربّه‏,‏ فقال مالك‏:‏ هو على المضاربة حتّى يعلم بموته‏.‏

ثانياً‏:‏ فقدان أهليّة أحدهما أو نقصها

قد يعرض لأهليّة ربّ المال أو المضارب من عوارض الأهليّة ما يذهبها أو ينقصها‏,‏ ممّا قد يكون سبباً في إنهاء المضاربة‏,‏ ومن هذه العوارض‏:‏

أ - الجنون‏:‏

71 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الجنون المطبق إذا اعترى أحد طرفي عقد المضاربة فإنّه يبطل العقد‏.‏

ب - الإغماء‏:‏

72 - نصّ الشّافعيّة على أنّ الإغماء سبب تنفسخ به المضاربة‏,‏ فقالوا‏:‏ إذا أغمي على أحد طرفي عقد المضاربة انفسخ العقد كما ينفسخ بالجنون والموت‏.‏

ج - الحجر‏:‏

73 - نصّ الحنفيّة و الحنابلة على أنّ المضاربة تبطل بالحجر يطرأ على أحد العاقدين‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ إذا توسوس أحد العاقدين في المضاربة بحيث لا يحسن التّصرف انفسخت المضاربة‏,‏ لأنّه عقد جائز من الطّرفين فبطل بذلك كالوكالة‏.‏

ثالثاً‏:‏ فسخ المضاربة

74 - فسخ المضاربة يكون من العاقدين بإرادتهما‏,‏ أو من أحدهما بإرادته المنفردة‏.‏ ويحصل الفسخ بقول‏:‏ فسخت المضاربة أو رفعتها أو أبطلتها‏,‏ أو بقول المالك للعامل‏:‏ لا تتصرّف بعد هذا، ونحو ذلك‏,‏ وقد يحدث بالفعل كاسترجاع ربّ المال رأس مال المضاربة كلّه، وغير ذلك‏.‏

وعقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللازمة‏,‏ والأصل فيه أنّه يجوز لكلّ من ربّ المال والمضارب فسخ العقد بإرادته المنفردة متى شاء‏,‏ وعلى هذا اتّفق الفقهاء في الجملة‏,‏ غير أنّهم اختلفوا بعد ذلك‏:‏

فقال الشّافعيّة و الحنابلة‏:‏ لكلّ من العاقدين فسخ عقد المضاربة متى شاء دون اشتراط علم الآخر وكون رأس المال ناضاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لكلّ من ربّ المال والمضارب الفسخ بشرط علم صاحبه وكون رأس المال عيناً عند الفسخ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ حق كلٍّ منهما في الفسخ مقيّد بكونه قبل شراء السّلع بالمال‏.‏

ولهم في ذلك وغيره تفصيل‏:‏

قال المالكيّة‏:‏ إذا نهى رب المال المضارب عن العمل بماله قبل العمل انحلّ عقد المضاربة ويصير المال كالوديعة‏,‏ فإذا عمل بعد ذلك فله الرّبح وحده وعليه الخسر‏,‏ وليس لربّ المال عليه إلا رأس المال‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لو نهى رب المال المضارب عن التّصرف ورأس المال عروض وقت النّهي لم يصحّ نهيه‏,‏ أي ولا ينعزل بهذا النّهي‏,‏ وله أن يبيع العروض لأنّه يحتاج إلى بيعها بالدّراهم والدّنانير ليظهر الرّبح‏,‏ فكان النّهي والفسخ إبطالاً لحقّه في التّصرف فلا يملك ذلك‏,‏ وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير وقت الفسخ والنّهي صحّ الفسخ والنّهي‏,‏ لكن له أن يصرف الدّراهم إلى دنانير والدّنانير إلى دراهم استحساناً - أي لتوافق جنس رأس المال - لأنّ ذلك لا يعد بيعاً - أي للعين - لاتّحادهما في الثّمنيّة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ وللعامل بعد الفسخ بيع مال المضاربة إذا توقّع فيه ربحاً كأن ظفر بسوق أو راغبٍ‏,‏ ولا يشتري لارتفاع عقد المضاربة مع انتفاء حظّه فيه‏.‏

ويلزم العامل استيفاء دين مال المضاربة إذا فسخ أحدهما‏,‏ أو فسخا‏,‏ أو انفسخ العقد‏,‏ لأنّ الدّين ناقص وقد أخذ العامل من المالك ملكاً تاماً فليردّ كما أخذ‏,‏ سواء أكان في المال ربح أم لا‏,‏ ولو رضي بقبول الحوالة جاز‏.‏

ويلزم العامل أيضاً تنضيض رأس المال إن كان عند الفسخ عرضاً وطلب المالك تنضيضه‏,‏ سواء أكان في المال ربح أم لا‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا انفسخت المضاربة والمال ناض لا ربح فيه أخذه ربه‏,‏ وإن كان فيه ربح قسماه على ما شرطاه‏,‏ وإن انفسخت والمال عرض فاتّفقا على بيعه أو قسمه جاز‏,‏ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما‏.‏

وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال - وقد ظهر في المال ربح - أجبر رب المال على البيع‏,‏ لأنّ حقّ العامل في الرّبح ولا يظهر إلا بالبيع‏,‏ وإن لم يظهر ربح لم يجبر‏.‏

وإن انفسخت المضاربة والمال دين لزم العامل تقاضيه‏,‏ سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر‏.‏

رابعاً‏:‏ تلف رأس مال المضاربة

75 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المضاربة تنفسخ بتلف مال المضاربة الّذي تسلّمه المضارب ولم يحرّكه بعد للمضاربة بالشّراء‏,‏ وذلك لأنّ المال الّذي تعيّن للمضاربة وتعلّق به عقدها قد هلك وزال‏.‏

وهذا إذا تلف المال كله‏,‏ أمّا إذا تلف بعض المال في هذه الحالة فإنّ المضاربة تنفسخ بقدر ما تلف من رأس المال ويظل باقيه على المضاربة‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا هلك مال المضاربة كله بعد تحريكه في عمليّات البيع والشّراء للمضاربة ارتفع عقد المضاربة وانفسخ، وذلك في الجملة‏,‏ وإذا هلك بعض مال المضاربة بعد العمل فيها ارتفعت المضاربة بقدر ما تلف أو هلك‏,‏ ويكون رأس مالها ما بقي بعد الهلاك‏.‏

وذلك عند بعض الفقهاء وفي أحوالٍ ذكروها‏.‏

قال الكاساني‏:‏ تبطل المضاربة بهلاك مال المضاربة في يد المضارب قبل أن يشتري به شيئاً في قول أصحابنا‏,‏ لأنّه تعيّن لعقد المضاربة بالقبض فيبطل العقد بهلاكه كالوديعة‏,‏ وكذا لو استهلكه المضارب أو أنفقه أو دفعه إلى غيره فاستهلكه‏,‏ فإن أخذ مثله من الّذي استهلكه كان له أن يشتري به على المضاربة‏.‏ كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأنّه أخذ عوض رأس المال فكان أخذ عوضه بمنزلة أخذ ثمنه فيكون على المضاربة‏,‏ وروى ابن رستم عن محمّدٍ أنّه لو أقرضها المضارب رجلاً فإن رجع إليه الدّراهم بعينها رجعت على المضاربة‏,‏ لأنّه وإن تعدّى يضمن لكن زال التّعدّي فيزول الضّمان المتعلّق به‏,‏ وإن أخذ مثلها لم يرجع في المضاربة‏,‏ لأنّ الضّمان قد استقرّ بهلاك العين‏,‏ وحكم المضاربة مع الضّمان لا يجتمعان‏.‏

هذا إذا هلك مال المضاربة قبل أن يشتري المضارب شيئاً‏.‏

فإن هلك بعد الشّراء بأن كان مال المضاربة ألفاً فاشترى بها سلعةً ولم ينقد المضارب الثّمن للبائع حتّى هلكت الألف‏,‏ فقد قال أصحابنا‏:‏ السّلعة على المضاربة ويرجع على ربّ المال بالألف فيسلّمها إلى البائع‏,‏ وكذلك إن هلكت الثّانية الّتي قبض يرجع بمثلها على ربّ المال‏,‏ وكذلك سبيل الثّالثة والرّابعة وما بعد ذلك أبداً حتّى يسلّم إلى البائع‏,‏ ويكون ما دفعه أوّلاً رب المال وما غرم كله من رأس المال‏,‏ لأنّ المضارب متصرّف لربّ المال فيرجع بما لحقه من الضّمان بتصرفه له كالوكيل‏,‏ غير أنّ الفرق بين الوكيل والمضارب‏:‏ أنّ الوكيل إذا هلك الثّمن في يده فرجع بمثله إلى الموكّل ثمّ هلك الثّاني لم يرجع على الموكّل‏,‏ والمضارب يرجع في كلّ مرّةٍ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن تلف جميع مال المضاربة من يد العامل انفسخ العقد‏,‏ وإن تلف بعض المال انفسخت فيما تلف وظلّت قائمةً فيما بقي‏.‏

وقالوا‏:‏ إن تلف كل المال أو بعضه فلربّ المال دفع خلف ما تلف إلى العامل ليتّجر به - إن أراد رب المال ذلك‏,‏ ولا جبر عليه فيه قبل العمل أو بعده - ويلزم العامل قبول الخلف إن كان بعض المال هو ما تلف وكان تلفه بعد العمل لا قبله‏,‏ لأنّ لكلّ منهما الفسخ قبل العمل‏.‏ أمّا إن تلف جميع مال المضاربة من يد العامل‏,‏ وأراد رب المال الخلف فإنّ العامل لا يلزمه قبول الخلف لانفساخ المضاربة وانقطاع المعاملة بينهما‏.‏

وحيث كان لا يلزم ربّ المال الخلف واشترى العامل سلعةً للمضاربة فذهب ليأتي لبائعها بثمنها فوجد المال قد ضاع وأبى رب المال الخلف لزمت السّلعة العامل‏,‏ فإن لم يكن له مال بيعت وربحها له وخسرها عليه‏.‏

والمشهور عند المالكيّة أنّه لا يجبر التّالف بربح الخلف‏,‏ سواء كان التّالف كلّ المال أو بعضه كما قال اللّخمي‏,‏ ونحوه لابن عرفة عن التونسيّ‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ إذا تلف البعض وأخلفه ربه فإنّه يجبر تلف الأوّل بربح الثّاني‏.‏

وقالوا‏:‏ لو جنى رب المال أو العامل على بعض مال القراض‏,‏ أو أخذ أحدهما منه شيئاً قرضاً فكأجنبيّ‏,‏ فيتبع الآخذ والجاني بما أخذه أو أتلفه بجنايته‏,‏ ولا يجبر ذلك بالرّبح لأنّ الرّبح إنّما يجبر الخسر والتّلف‏,‏ وأمّا الجناية والأخذ منه قرضاً فلا يجبران به‏,‏ لأنّ الجاني يتبع بما جنى عليه والآخذ قرضاً يتبع بما أخذه‏,‏ ورأس المال هو الباقي بعد الأخذ والجناية والرّبح له خاصّةً‏,‏ لأنّ رأس المال والرّبح إنّما هو له‏,‏ ولا يعقل ربح للمأخوذ مع أنّه لم يحرّك‏,‏ ولأنّ ربّ المال إن كان هو الجاني فقد رضي بأنّ الباقي بعد الجناية هو رأس المال وفسخ عقد المضاربة فيما أخذه‏,‏ وإن كان العامل أتبع به في ذمّته كالأجنبيّ ولا ربح لما في الذّمّة‏,‏ ولا فرق في الجناية أو الأخذ بين أن يكونا قبل العمل أو بعده‏,‏ قال الدسوقي‏:‏ أي في كون رأس المال هو الباقي‏,‏ ولا يجبر ذلك بالرّبح ويتبع الآخذ بما أخذه والجاني بما جنى عليه‏,‏ وهذا هو الصّواب‏.‏

وقال الشّافعيّة في الأصحّ‏:‏ لو تلف بعض مال المضاربة بآفة سماويّةٍ كحرق وغرقٍ أو بغصب أو سرقةٍ‏,‏ وتعذّر أخذه أو أخذ بدله بعد تصرف العامل فيه بالبيع والشّراء فهو محسوب من الرّبح لأنّه نقص حصل فأشبه نقص العيب والمرض‏.‏

وفي مقابل الأصحّ‏:‏ لا يحسب من الرّبح‏,‏ لأنّه نقص لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف الحاصل بالرخص فليس ناشئاً من نفس المال‏,‏ بخلاف المرض والعيب‏.‏

وإن تلف بما ذكر قبل تصرفه فيه ببيع أو شراءٍ فيحسب ما تلف من رأس المال لا من الرّبح في الأصحّ‏,‏ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل‏,‏ والثّاني‏:‏ من الرّبح لأنّه بقبض العامل صار مال مضاربةٍ‏.‏

ولو تلف مال المضاربة كله ارتفعت المضاربة‏,‏ سواء أتلف بآفة سماويّةٍ أم بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبيٍّ‏,‏ لكن يستقر نصيب العامل من الرّبح في حالة إتلاف المالك‏,‏ وتبقى المضاربة في البدل إن أخذه في حالة إتلاف الأجنبيّ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن تلف بعض رأس مال المضاربة قبل تصرف العامل فيه انفسخت المضاربة في التّالف‏,‏ وكان رأس المال هو الباقي خاصّةً‏,‏ لأنّه مال هلك على جهته قبل التّصرف أشبه التّالف قبل القبض‏,‏ وفارق ما بعد التّصرف لأنّه دار في التّجارة‏.‏

وإن تلف المال قبل التّصرف ثمّ اشترى المضارب سلعةً في ذمّته للمضاربة فهي له وثمنها عليه‏,‏ سواء علم تلف المال قبل نقد الثّمن أو جهله‏,‏ لأنّه اشتراها في ذمّته وليست من المضاربة لانفساخها بالتّلف فاختصت به‏,‏ ولو كانت للمضاربة لكان مستديناً على غيره‏,‏ والاستدانة على الغير بغير إذنه لا تجوز‏,‏ إلا أن يجبره رب المال فيكون له‏.‏

وإن تلف مال المضاربة بعد الشراء قبل نقد الثمن بأن اشترى للمضاربة سلعة في ذمته ثم تلف مال المضاربة قبل إقباضه‏,‏ أو تلف مال المضاربة والسلعة‏,‏ فالمضاربة باقية بحالها‏,‏ لأن الموجب هو التلف ولم يوجد حين الشراء ولا قبله‏,‏ والثمن على رب المال لأن حقوق العقد متعلقة به كالموكل‏,‏ ويصير رأس المال الثمن دون التالف لفواته‏,‏ ولصاحب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن لبقاء الإذن من رب المال ولمباشرة العامل‏,‏ فإن غرمه رب المال لم يرجع على أحد‏,‏ لأن حقوق العقد متعلقة به‏,‏ ويرجع به العامل إن غرمه على رب المال‏.‏

خامساً‏:‏ استرداد ربّ المال رأس مال المضاربة

76 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ استرداد ربّ المال رأس مال المضاربة كلّه تنفسخ به المضاربة لعدم وجود المال الّذي تقوم عليه المضاربة‏,‏ وأنّ استرداده بعض رأس المال تنفسخ به المضاربة فيما استردّ وتظل قائمةً فيما سواه‏.‏

قال الحصكفيّ‏:‏ إن أخذ المالك المال بغير أمر المضارب وباع واشترى بطلت إن كان رأس المال نقداً لأنّه عامل لنفسه‏,‏ وإن صار عرضاً لا تبطل لأنّ النّقض الصّريح لها لا يعمل حينئذٍ فهذا أولى‏,‏ ثمّ إن باع بعرض بقيت وإن بنقد بطلت‏,‏ لأنّه عامل لنفسه‏,‏ وقال ابن عابدين نقلاً عن البحر‏:‏ لو باع رب المال العروض بنقد ثمّ اشترى عروضاً كان للمضارب حصّته من ربح العروض الأولى لا الثّانية لأنّه لمّا باع العروض وصار المال نقداً في يده كان ذلك نقضاً للمضاربة فشراؤه به بعد ذلك يكون لنفسه‏,‏ فلو باع العروض بعروض مثلها أو بمكيل أو موزونٍ وربح كان بينهما على ما شرطا‏.‏

وفصّل الشّافعيّة وقالوا‏:‏ ترتفع المضاربة باسترجاع المالك رأس المال كلّه من المضارب‏,‏ ولو استردّ المالك بعض المال قبل ظهور ربحٍ وخسرانٍ فيه رجع رأس المال إلى الباقي بعد المستردّ‏,‏ لأنّه لم يترك في يد المضارب غيره فصار كما لو اقتصر في الابتداء على إعطائه له‏,‏ وانفسخت المضاربة فيما استردّ‏.‏

وإن استردّ المالك بعض رأس المال بغير رضا العامل بعد ظهور الرّبح فالمسترد منه شائع‏:‏ ربحاً ورأس مالٍ على النّسبة الحاصلة من جملة الرّبح ورأس المال‏,‏ لأنّه غير مميّزٍ‏,‏ ويستقر ملك العامل على ما خصّه من الرّبح فلا ينفذ تصرف المالك فيه ولا يسقط بخسر وقع بعده‏,‏ مثاله‏:‏ رأس المال مائة من الدّراهم والرّبح عشرون واستردّ المالك عشرين‏,‏ فالرّبح سدس جميع المال وهو مشترك بينهما‏,‏ فيكون المسترد وهو العشرون سدسه من الرّبح ثلاثة دراهم وثلث‏,‏ فيستقر للعامل المشروط منه - وهو درهم وثلثان إن شرط نصف الرّبح - وباقيه من رأس المال‏,‏ فيعود رأس المال إلى ثلاثةٍ وثمانين وثلثٍ‏,‏ فلو عاد ما في يد العامل إلى ثمانين لم تسقط حصّة العامل بل يأخذ منها - أي من الثّمانين - درهماً وثلثي الدّرهم ويرد الباقي‏,‏ واستقلال العامل بأخذ حصّته - وهو ما استشكل عليه الإسنوي تبعاً لابن الرّفعة - لأنّ المالك لمّا تسلّط باسترداد ما علم للعامل فيه جزء مكّن العامل من الاستقلال بأخذ مثله ليحصل التّكافؤ بينهما‏.‏

والحكم كذلك لو استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الرّبح برضا العامل وصرّحا بالإشاعة أو أطلقا‏.‏

وإن كان الاسترداد في المثال السّابق برضا العامل‏,‏ وقصد هو والمالك الأخذ من رأس المال اختصّ به‏,‏ أو من الرّبح اختصّ به‏,‏ وحينئذٍ يملك العامل ممّا في يده قدر حصّته على الإشاعة‏.‏

قال الشّبراملسي‏:‏ وينبغي أن يكون له الاستقلال بأخذه ممّا في يده‏,‏ وإن لم يقصدا شيئاً حمل على الإشاعة‏,‏ ونصيب العامل قرض للمالك لا هبة‏.‏‏.‏ كما رجّحه في المطلب ونقله الإسنوي وأقرّه‏.‏

وإن استردّ المالك بعض رأس المال بعد ظهور الخسران، فالخسران موزّع على المستردّ والباقي بعده‏,‏ وحينئذٍ فلا يلزم جبر حصّة المستردّ وهو عشرون لو ربح المال بعد ذلك‏,‏ مثاله‏:‏ رأس المال مائة والخسران عشرون‏,‏ ثمّ استردّ المالك عشرين‏,‏ فربع العشرين الّتي هي جميع الخسران حصّة المستردّ منها خمسة‏,‏ فكأنّ المالك استردّ خمسة وعشرين‏,‏ ويعود رأس المال الباقي بعد المستردّ وبعد حصّته من الخسران إلى خمسةٍ وسبعين‏,‏ فلو ربح بعد ذلك شيئاً قسّم بينهما على حسب ما شرطاه‏.‏

سادساً‏:‏ ردّة ربّ المال أو المضارب

77 - قال الحنفيّة‏:‏ لو ارتدّ رب المال فباع المضارب واشترى بالمال بعد الرّدّة فذلك كله موقوف في قول أبي حنيفة‏:‏ إن رجع إلى الإسلام بعد ذلك نفذ كله والتحقت ردّته بالعدم في جميع أحكام المضاربة وكأنّه لم يرتدّ أصلاً‏,‏ وكذلك إن لحق بدار الحرب ثمّ عاد مسلماً قبل أن يحكم بلحاقه بدار الحرب - على الرّواية الّتي تشترط حكم الحاكم بلحاقه للحكم بموته وصيرورة أمواله ميراثاً لورثته - فإن مات أو قتل على الرّدّة أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه بطلت المضاربة من يوم ارتدّ‏,‏ على أصل أبي حنيفة أنّ ملك المرتدّ موقوف إن مات أو قتل أو لحق فحكم باللّحاق يزول ملكه من وقت الرّدّة إلى ورثته‏,‏ ويصير كأنّه مات في ذلك الوقت فيبطل تصرف المضارب بأمره لبطلان أهليّة الآمر‏,‏ ويصير كأنّه تصرّف في ملك الورثة‏,‏ فإن كان رأس المال يومئذٍ قائماً في يده لم يتصرّف فيه‏,‏ ثمّ اشترى بعد ذلك فالمشترى وربحه يكون له لأنّه زال ملك ربّ المال عن المال فينعزل المضارب عن المضاربة‏,‏ فصار متصرّفاً في ملك الورثة بغير أمرهم‏,‏ وإن كان صار رأس المال متاعاً فبيع المضارب فيه وشراؤه جائز حتّى ينضّ رأس المال‏,‏ لأنّه في هذه الحالة لا ينعزل بالعزل والنّهي ولا بموت ربّ المال فكذلك ردّته‏,‏ فإن حصل في يد المضارب دنانير ورأس المال دراهم أو العكس فالقياس أن لا يجوز له التّصرف‏,‏ لأنّ الّذي حصل في يده من جنس رأس المال معنىً‏,‏ لاتّحادهما في الثّمنيّة فيصير كأنّ عين المال قائم في يده إلا أنّهم استحسنوا فقالوا‏:‏ إن باعه بجنس رأس المال جاز‏,‏ لأنّ على المضارب أن يردّ مثل رأس المال فكان له أن يبيع ما في يده كالعروض‏.‏

وأمّا على أصل أبي يوسف ومحمّدٍ فالرّدّة لا تقدح في ملك المرتدّ فيجوز تصرف المضارب بعد ردّة ربّ المال كما يجوز تصرف ربّ المال بنفسه عندهما‏,‏ فإن مات رب المال أو قتل كان موته كموت المسلم في بطلان عقد المضاربة‏,‏ وكذلك إن لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه‏,‏ لأنّ ذلك بمنزلة الموت بدليل أنّ ماله يصير ميراثاً لورثته فبطل أمره في المال‏.‏ وإن لم يرتدّ رب المال ولكنّ المضارب ارتدّ‏,‏ فالمضاربة على حالها في قولهم جميعاً‏,‏ لأنّ وقوف تصرف ربّ المال بنفسه لوقوف ملكه ولا ملك للمضارب فيما يتصرّف فيه بل الملك لربّ المال ولم توجد منه الرّدّة فبقيت المضاربة‏,‏ إلا أنّه لا عهدة على المضارب وإنّما العهدة على ربّ المال، في قياس قول أبي حنيفة، لأنّ العهدة تلزم بسبب المال فتكون على ربّ المال‏,‏ فأمّا على قولهما فالعهدة عليه‏,‏ لأنّ تصرفه كتصرف المسلم‏.‏

وإن مات المضارب أو قتل على الرّدّة بطلت المضاربة لأنّ موته في الرّدّة كموته قبل الرّدّة‏,‏ وكذا إذا لحق بدار الحرب وقضي بلحاقه‏,‏ لأنّ ردّته مع اللّحاق والحكم به بمنزلة موته في بطلان تصرفه‏,‏ فإن لحق بدار الحرب بعد ردّته فباع واشترى هناك ثمّ رجع مسلماً فجميع ما اشترى وباع في دار الحرب يكون له ولا ضمان عليه في شيءٍ‏,‏ لأنّه لمّا لحق بدار الحرب صار كالحربيّ إذا استولى على مال إنسانٍ ولحق بدار الحرب‏:‏ أنّه يملكه فكذا المرتد‏.‏

وارتداد المرأة وعدم ارتدادها سواء في قولهم جميعاً‏,‏ كان المال لها أو كانت هي مضاربةً‏,‏ لأنّ ردّتها لا تؤثّر في ملكها إلا أن تموت فتبطل المضاربة كما لو ماتت قبل الرّدّة أو لحقت بدار الحرب وحكم بلحاقها لأنّ ذلك بمنزلة الموت‏.‏

مُضَارّة

انظر‏:‏ ضرر‏.‏

مَضَامين

انظر‏:‏ بيع منهي عنه‏,‏ غرر‏.‏

مُضَبَّب

انظر‏:‏ آنية‏.‏

مُضْطَرّ

انظر‏:‏ ضرورة‏.‏

مُضْغَة

التّعريف

1 - المضغة في اللغة‏:‏ القطعة من اللّحم قدر ما يمضغ وجمعها مضغ‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العلقة‏:‏

2 - العلقة في اللغة‏:‏ قطعة من الدّم الجامد متكوّنة من المنيّ‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة أنّ المضغة طور من أطوار الجنين وكذلك العلقة‏,‏ فالمضغة مرحلة بعد مرحلة العلقة‏.‏

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سََُلالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِين، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‏}‏‏.‏

النطفة‏:‏

3 - النطفة لغةً‏:‏ ماء الرّجل والمرأة‏,‏ وجمعها نطف‏,‏ وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة أنّ النطفة مرحلة من مراحل الجنين تسبق العلقة والمضغة‏.‏

الجنين‏:‏

4 - الجنين في اللغة‏:‏ كل مستورٍ وأجنته الحامل سترته‏,‏ والجنين وصف له ما دام في بطن أمّه‏.‏

والصّلة أنّ الجنين يكون بعد مرحلة المضغة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمضغة

حكمها من حيث الطّهارة والنّجاسة

5 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة وهو الصّحيح من المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المضغة نجس‏,‏ لأنّها دم والدّم نجس‏.‏

وذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة في الوجه الآخر وابن الهمام من الحنفيّة إلى أنّ المضغة ليست بنجس بل طاهرة‏,‏ لأنّ المضغة أصل حيوانٍ طاهرٍ كالمنيّ‏.‏

عقوبة الجناية على المضغة

6 - اختلف الفقهاء فيما يجب بالجناية على امرأةٍ حاملٍ إذا ألقت مضغةً‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لو ألقت مضغةً ولم يتبيّن شيء من خلقه فشهدت ثقات من القوابل أنّه مبدأ خلق آدميٍّ ولو بقي لتصوّر فلا غرّة فيه وتجب فيه حكومة عدلٍ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا ألقت المرأة مضغةً بضرب أو تخويفٍ أو شمٍّ ريحٍ ففيه عشر دية أمّه أو غرّة‏,‏ والتّخيير بين العشر والغرّة للجاني لا لمستحقّها‏,‏ وهذا الواجب على التّخيير إنّما هو في جنين الحرّة‏,‏ أما جنين الأمة فيتعيّن فيه النّقد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن ضرب بطن امرأةٍ فألقت مضغةً لم تظهر فيها صورة الآدميّ فشهد أربع نسوةٍ أنّ فيها صورة الآدميّ وجبت فيها الغرّة لأنّهنّ يدركن من ذلك ما لا يدرك غيرهنّ‏.‏ قال النّووي‏:‏ ويكفي الظهور في طرفٍ ولا يشترط في كلّ الأطراف‏,‏ ولو لم يظهر شيء من ذلك فشهد القوابل أنّ فيه صورةً خفيّةً يختص بمعرفتها أهل الخبرة وجبت الغرّة أيضاً‏,‏ وإن قلن‏:‏ ليس فيه صورة خفيّة لكنّه أصل آدمي ولو بقي لتصوّر لم تجب الغرّة على المذهب‏,‏ وإن شككن هل هو أصل آدمي لم تجب قطعاً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ وإن ألقت مضغةً فشهد ثقات من القوابل أنّ فيه صورةً خفيّةً ففيه غرّة‏,‏ وإن شهدت أنّه مبتدأ خلق آدميٍّ لو بقي تصوّر ففيه وجهان‏:‏

أصحهما لا شيء فيه لأنّه لم يتصوّر فلم يجب فيه كالعلقة‏,‏ ولأنّ الأصل براءة الذّمّة فلا تشغلها بالشّكّ‏.‏

والثّاني‏:‏ فيه غرّة لأنّه مبتدأ خلق آدميٍّ أشبه ما لو تصوّر‏.‏

أثر إسقاط المضغة في انقضاء العدّة

7 - اختلف الفقهاء في انقضاء العدّة بإسقاط المرأة الحامل مضغةً‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّه تنقضي العدّة بإسقاط مضغةٍ فيها شيء من خلق الآدميّ ولو صورةً خفيّةً تثبت بشهادة الثّقات من القوابل‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ إسقاط العلقة فما فوقها من المضغة أو غيرها تنقضي به العدّة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عدّة ف 22‏)‏‏.‏

أثر إسقاط المضغة في وقوع الطّلاق المعلّق وفي النّفاس

8 - قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ المضغة الّتي ليست فيها صورة آدميٍّ لا يقع الطّلاق المعلّق بها لأنّه لم يثبت أنّه ولد بالمشاهدة ولا بالبيّنة‏,‏ فإن كانت فيها صورة آدميٍّ أو بها صورة آدميٍّ ولو خفيّةً وشهدت الثّقات بها من القوابل بأنّها لو بقيت لتصوّر ولتخلّق فإنّها يقع الطّلاق المعلّق على الولادة‏,‏ ويعد المالكيّة المضغة حملاً فيقع فيها الطّلاق المعلّق‏.‏ وأمّا أثرها في النّفاس فقال الحنفيّة والحنابلة إذا أسقطت المرأة مضغةً لم يظهر شيء من خلقه فإنّ المرأة لا تصير به نفساء‏.‏

وذهب الشّافعيّة وهو المعتمد عند المالكيّة إلى اعتبارها نفساء ولو بإلقاء مضغةٍ هي أصل آدميٍّ أو بإلقاء علقةٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجهاض ف 17‏)‏‏.‏

مَضْغُوط

انظر‏:‏ إكراه‏.‏

مَضْمَضة

التّعريف

1 - المضمضة في اللغة‏:‏ التّحريك‏,‏ ومنه‏:‏ مضمض النعاس في عينيه إذا تحرّكتا بالنعاس‏,‏ ثمّ اشتهر باستعمالها في وضع الماء في الفم وتحريكه‏.‏

قال الفيوميّ‏:‏ هي تحريك الماء في الفم‏,‏ يقال‏:‏ مضمضت الماء في فمي‏:‏ إذا حرّكته بالإدارة فيه‏,‏ وتمضمضت في وضوئي‏:‏ إذا حرّكت الماء في فمي‏.‏

واصطلاحاً قال الدّردير والنّووي‏:‏ أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثمّ يمجه‏,‏ أي يطرحه‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ استيعاب الماء جميع الفم ثمّ مجه‏.‏

وعرّفها ابن قدامة بأنّها‏:‏ إدارة الماء في الفم‏.‏

ويؤخذ من هذه التّعاريف أنّ الفقهاء متّفقون على أنّ المضمضمة إدخال الماء إلى الفم‏,‏ واختلفوا في إدارة الماء في الفم ومجّه‏.‏

ومذهب الجمهور عدم اشتراطهما‏,‏ والأفضل عندهم فعلهما‏.‏

ومذهب المالكيّة اشتراطهما‏,‏ وإلا فلا يعتدّ بها‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - اختلف الفقهاء في حكم المضمضة على ثلاثة أقوالٍ‏:‏

قال المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في روايةٍ‏:‏ إنّ المضمضة سنّة في الوضوء والغسل‏,‏ وبه قال الحسن البصري والزهري والحكم وحمّاد وقتادة ويحيى الأنصاري والأوزاعي واللّيث‏,‏ لقولـه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ فالوجه عند العرب‏:‏ ما حصلت به المواجهة‏,‏ وداخل الفم ليس من الوجه‏,‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «عشر من الفطرة» وذكر منها‏:‏ «المضمضة والاستنشاق»‏,‏ والفطرة سنّة‏,‏ وذكرهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء‏,‏ ولقولـه صلى الله عليه وسلم للأعرابيّ‏:‏ «توضّأ كما أمرك اللّه»، قال النّووي‏:‏ هذا الحديث من أحسن الأدلّة‏,‏ لأنّ هذا الأعرابيّ صلّى ثلاث مرّاتٍ فلم يحسنها‏,‏ فعلم النّبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ أنّه لا يعرف الصّلاة الّتي تفعل بحضرة النّاس وتشاهَد أعمالها‏,‏ فعلّمه واجباتها وواجبات الوضوء‏,‏ فقال النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «توضّأ كما أمرك اللّه»‏,‏ ولم يذكر له سنن الصّلاة والوضوء لئلا يكثر عليه فلا يضبطها‏,‏ فلو كانت المضمضة واجبةً لعلّمه إيّاها‏,‏ فإنّه ممّا يخفى‏,‏ لا سيما في حقّ هذا الرّجل الّذي خفيت عليه الصّلاة الّتي تشاهد‏,‏ فكيف الوضوء الّذي يخفى‏.‏

ويرى الحنفيّة وأحمد في روايةٍ أخرى أنّ المضمضة واجبة في الغسل‏,‏ وسنّة في الوضوء‏,‏ وبه قال سفيان الثّوري‏,‏ لأنّ الواجب في باب الوضوء غسل الأعضاء الثّلاثة ومسح الرّأس‏,‏ وداخل الفم ليس من جملتها‏,‏ أما ما سوى الوجه فظاهر‏,‏ وكذا الوجه‏,‏ لأنّه اسم لما يواجه به الإنسان عادةً‏,‏ والفم لا يواجه به بكلّ حالٍ فلا يجب غسله‏.‏

وأمّا وجوب المضمضة في الغسل فلأنّ الواجب هناك تطهير البدن لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ‏}‏ أي طهّروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرجٍ‏,‏ ظاهراً كان أو باطناً‏,‏ وممّا يؤكّد وجوب المضمضة والاستنشاق قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ تحت كلّ شعرةٍ جنابة فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشرة»‏,‏ وقالوا‏:‏ في الأنف شعر وفي الفم بشرة‏.‏ وقال الحنابلة في المشهور وابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق وعطاء‏:‏ إنّ المضمضة والاستنشاق واجبة في الطّهارتين أي الغسل والوضوء لما روت عائشة رضي اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «المضمضة والاستنشاق من الوضوء الّذي لا بدّ منه»‏,‏ ولأنّ كلّ من وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مستقصياً ذكر أنّه تمضمض واستنشق‏,‏ ومداومته عليهما تدل على وجوبهما‏,‏ لأنّ فعله يصلح أن يكون بياناً وتفصيلاً للوضوء المأمور به في كتاب اللّه‏.‏

كيفيّة المضمضة

3 - قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمناه‏,‏ لما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنّه دعا بوضوء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرارٍ فغسلهما ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّاتٍ‏.‏‏.‏‏.‏ ثمّ قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدّم من ذنبه»‏,‏ وعن عليٍّ رضي الله عنه‏:‏ أنّه أدخل يده اليمنى في الإناء فملأ فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثلاثاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ المضمضة والاستنشاق باليمين سنّة‏,‏ لما روي عن الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما أنّه استنثر بيمينه، فقال معاوية رضي الله عنه‏:‏ جهلت السنّة، فقال الحسن رضي الله عنه‏:‏ كيف أجهل والسنّة خرجت من بيوتنا، أما علمت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «اليمن للوجه واليسار للمقعد»‏.‏

وقال بعض الحنفيّة‏:‏ المضمضة باليمين والاستنشاق باليسار‏,‏ لأنّ الفم مطهرة‏,‏ والأنف مقذرة‏,‏ واليمين للأطهار‏,‏ واليسار للأقذار‏.‏

4 - قال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إنّ السنّة في المضمضة والاستنشاق الفصل بينهما بأن يتمّ كل منهما بثلاث غرفاتٍ‏,‏ أي أن تتمّ المضمضة بثلاث والاستنشاق بثلاث‏,‏ لأنّ الّذين حكوا وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذوا لكلّ واحدٍ منهما ماءً جديداً‏,‏ ولأنّهما عضوان منفردان فيفرد كلّ واحدٍ منهما بماء على حدةٍ كسائر الأعضاء‏.‏

وقال الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة‏:‏ إنّ المضمضة والاستنشاق مستحبّان من كفٍّ واحدةٍ يجمع بينهما‏,‏ قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد اللّه يسأل‏:‏ أيهما أعجب إليك المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدةٍ‏,‏ أو كل واحدةٍ منهما على حدةٍ‏؟‏ قال‏:‏ بغرفة واحدةٍ‏,‏ وذلك لحديث عثمان وعليٍّ رضي الله عنهما‏.‏

قال البويطيّ من الشّافعيّة وابن قدامة من الحنابلة‏:‏ إن أفرد المضمضة بثلاث غرفاتٍ‏,‏ والاستنشاق بثلاث جاز‏,‏ لأنّه روي في حديث طلحة بن مصرّفٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه فصّل بين المضمضة والاستنشاق»‏,‏ لأنّ الفصل أبلغ في النّظافة فكان أولى بالغسل‏.‏

ثمّ اختلف الشّافعيّة في الأفضليّة‏,‏ فقالوا‏:‏ إنّ فيها طريقين‏,‏ الصّحيح‏:‏ أنّ فيها قولين‏:‏ أظهرهما‏:‏ الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل‏.‏

والثّاني‏:‏ الجمع بينهما أفضل‏.‏

التّرتيب بين المضمضة وغيرها

5 - قال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ التّرتيب بين المضمضة والاستنشاق سنّة‏,‏ وهو تقديم المضمضة على الاستنشاق‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يواظب على التّقديم‏.‏

وقال الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة‏:‏ لا يجب التّرتيب بينهما وبين غسل بقيّة الوجه‏,‏ لأنّ الأنف والفم من أجزائه‏,‏ ولكن من المستحبّ أن يبدأ بهما قبل الوجه‏,‏ لأنّ كلّ من وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر أنّه بدأ بهما إلا شيئاً نادراً‏.‏

وقال النّووي‏:‏ اتّفق أصحابنا على أنّ المضمضة مقدّمة على الاستنشاق سواء جمع أو فصل بغرفة أو بغرفات‏,‏ وفي هذا التّقديم وجهان‏,‏ حكاهما الماورديّ والشّيخ أبو محمّدٍ الجوينيّ وولده إمام الحرمين وآخرون‏,‏ أصحهما أنّه شرط وهو المعتمد فلا يحسب الاستنشاق إلا بعد المضمضة‏,‏ لأنّهما عضوان مختلفان فاشترط فيهما التّرتيب كالوجه واليد‏.‏

6 - أما التّرتيب بين المضمضة وسائر الأعضاء غير الوجه فعلى روايتين عند الحنابلة‏:‏ إحداهما‏:‏ يجب وهو ظاهر كلام الخرقيّ لأنّها من الوجه فوجب غسلها قبل غسل اليدين للآية وقياساً على سائر أجزائه‏.‏

والثّانية‏:‏ لا يجب‏,‏ بل لو تركها في وضوئه وصلّى تمضمض وأعاد الصّلاة ولم يعد الوضوء‏,‏ لما روى المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه‏:‏ «أتي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضّأ فغسل كفّيه ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً ثمّ غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً ثمّ تمضمض واستنشق ثلاثاً ثمّ مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما»‏,‏ ولأنّ وجوبها بغير القرآن‏,‏ وإنّما وجب التّرتيب بين الأعضاء المذكورة لأنّ في الآية ما يدل على إرادة التّرتيب ولم يوجد ذلك فيها‏.‏

المبالغة في المضمضة

7 - قال الشّربيني الخطيب‏:‏ المبالغة في المضمضة‏:‏ أن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللّثات‏.‏

قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إنّ المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنّة لغير الصّائم لقولـه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا توضّأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائماً»‏.‏

ولأنّ المبالغة فيهما من باب التّكميل في التّطهير فكانت مسنونةً إلا في حال الصّوم لما فيها من تعريض الصّوم للفساد‏.‏

وقال الماورديّ والصّيمري من الشّافعيّة‏:‏ يبالغ الصّائم في المضمضة دون الاستنشاق لأنّ المتمضمض متمكّن من ردّ الماء عن وصوله إلى جوفه‏,‏ بطبق حلقه‏,‏ ولا يمكن دفعه بالخيشوم‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إنّها مندوبة لغير الصّائم‏,‏ وأمّا الصّائم فتكره له المبالغة لئلا يفسد صومه‏,‏ وقال المالكيّة‏:‏ فإن وقع ووصل إلى حلقه وجب عليه القضاء‏.‏

المضمضة في الصّوم

8 - قال الحنفيّة‏:‏ إن تمضمض الصّائم فدخل الماء جوفه فسد صومه إن كان ذاكراً لصومه وعليه القضاء‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن وصل لحلقه أو معدته شيء يغلب سبقه إلى حلقه من أثر ماء مضمضةٍ أو رطوبة سواكٍ أفطر وعليه القضاء في الفرض خاصّةً‏,‏ وأمّا وصول أثر المضمضة للحلق في صوم النّفل فلا يفسد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن تمضمض الصّائم أو استنشق فسبق الماء إلى جوفه أو دماغه فثلاثة أقوالٍ‏:‏ أصحها عند الأصحاب‏:‏ إن بالغ أفطر وإلا فلا‏,‏ والثّاني‏:‏ يفطر مطلقاً‏,‏ والثّالث‏:‏ لا يفطر مطلقاً‏,‏ والخلاف فيمن هو ذاكر للصّوم عالم بالتّحريم فإن كان ناسياً أو جاهلاً لم يبطل بلا خلافٍ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن تمضمض الصّائم أو استنشق في الطّهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصدٍ ولا إسرافٍ فلا شيء عليه‏,‏ لأنّه وصل إلى حلقه من غير إسرافٍ ولا قصدٍ‏,‏ فأمّا إن أسرف فزاد على الثّلاث أو بالغ فقد فعل مكروهاً لأنّه يتعرّض بذلك بإيصال الماء إلى حلقه‏,‏ فإن وصل إلى حلقه فعلى وجهين أحدهما‏:‏ يفطر‏,‏ والثّاني‏:‏ لا يفطر به لأنّه وصل من غير قصدٍ فأشبه غبار الدّقيق والحكم في المضمضة لغير الطّهارة كالحكم في المضمضة للطّهارة إن كانت لحاجة‏.‏

المضمضة بعد الطّعام

9 - المضمضة مستحبّة بعد الفراغ من الطّعام‏,‏ لما روى سويد بن النعمان رضي الله عنهما‏:‏ «أنّه خرج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتّى إذا كانوا بالصّهباء - وهي أدنى خيبر - صلّى العصر ثمّ دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسّويق فأمر به فثرّي - أي بلّ بالماء لما لحقه من اليبس - فأكل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأكلنا ثمّ قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثمّ صلّى ولم يتوضّأ»‏.‏

وفي الحديث دليل على استحباب المضمضة بعد الطّعام‏,‏ ففائدة المضمضة قبل الدخول في الصّلاة من أكل السّويق وإن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصّلاة‏.‏

وكذلك تستحب المضمضة بعد شرب اللّبن لما روى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض وقال إنّ له دسماً»‏,‏ فقد بيّن النّبي صلى الله عليه وسلم العلّة في المضمضة من اللّبن فيدل على استحبابها من كلّ شيءٍ دسمٍ‏.‏ وقال ابن مفلحٍ‏:‏ تسن المضمضة من شرب اللّبن‏,‏ لأنّه صلى الله عليه وسلم تمضمض بعده بماء‏,‏ وقال‏:‏ «إنّ له دسماً»‏,‏ وشيب له بماء فشرب‏,‏ ثمّ قال ابن مفلحٍ‏:‏ ذكر بعض متأخّري أصحابنا ما ذكره بعض الأطبّاء من أنّ الإكثار منه يضر بالأسنان واللّثة‏,‏ ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء‏,‏ ثمّ ذكر الخبر أنّه عليه الصّلاة والسّلام تمضمض وقال‏:‏ «إنّ له دسماً»‏.‏

وقال النّووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ تستحب من غير اللّبن من المأكول والمشروب‏,‏ لئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في الصّلاة‏.‏

مَضْمُون

انظر‏:‏ ضمان‏.‏

مَطَاف

انظر‏:‏ طواف‏.‏

مَطَالِع

التّعريف

1 - المطالع في اللغة جمع مطلَِعٍ - بفتح اللام وكسرها - وهو موضع الطلوع أو الظهور‏,‏ ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ‏}‏‏,‏ أي منتهى الأرض المعمورة من جهة الشّرق‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏,‏ وهو موضع الطلوع أو الظهور‏,‏ ويقصد به - هنا - موضع طلوع الهلال من الغرب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

رؤية الهلال‏:‏

2 - الرؤية‏:‏ إدراك الشّيء بحاسّة البصر‏,‏ وقال ابن سيده‏:‏ الرؤية النّظر بالعين والقلب‏,‏ وهي مصدر رأى‏.‏

والمقصود برؤية الهلال‏:‏ معاينته ومشاهدته بالعين الباصرة بعد غروب شمس اليوم التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق ممّن يعتمد خبره وتقبل شهادته‏,‏ فيثبت دخول الشّهر برؤيته‏.‏

اختلاف المطالع في رؤية الهلال

3 - إنّ اختلاف المطالع تعبير فقهي يراد به عند الفقهاء‏:‏ ظهور القمر ورؤيته في أوّل الشّهر بين بلدٍ وبلدٍ‏,‏ حيث يراه أهل بلدٍ مثلاً‏,‏ بينما الآخرون لا يرونه‏,‏ فتختلف مطالع الهلال‏.‏

لذا تعرّض الفقهاء لأحكام اختلاف المطالع نظراً لتعلق فرضيّة أو صحّة بعض العبادات بها‏,‏ فضلاً عن كثيرٍ من الأحكام المتعلّقة بالمعاملات والأسرة وغيرهما‏.‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال ف 14‏,‏ ورمضان ف 3‏)‏‏.‏

أسباب اختلاف المطالع

4 - تثار مسألة اختلاف المطالع دائماً عندما يثور القول باعتبار رؤية بعض البلاد رؤيةً لجميعها على سبيل الإلزام‏,‏ وهذا مردود بسبب اختلاف المطالع‏.‏

وذهب ابن تيميّة إلى إثبات اختلاف المطالع وذلك من وجهين‏:‏

أوّلهما‏:‏ أنّ الرؤية تختلف باختلاف التّشريق والتّغريب‏.‏

ثانيهما‏:‏ اختلاف الرؤية باختلاف المسافة أو الإقليم‏.‏

وهما بلا شكٍّ من أمور الواقع المشاهد الّذي لا يقوى على إنكاره إلا مكابر‏,‏ فهو اختلاف واقع بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس‏.‏

وذلك لأنّ الهلال إذا رئي في المشرق وجب أن يرى في المغرب ولا ينعكس‏,‏ لأنّ وقت غروب الشّمس بالمغرب يتأخّر عن وقت غروبها بالمشرق‏,‏ فإذا كان قد رئي بالمشرق ازداد بالمغرب نوراً وبعداً عن الشّمس وشعاعها قبل غروبها‏,‏ فيكون أحقّ بالرؤية وليس كذلك إذا رئي بالمغرب‏,‏ لأنّه قد يكون سبب الرؤية تأخر غروب الشّمس عندهم‏,‏ فازداد بعداً وضوءاً‏,‏ ولمّا غربت بالمشرق كان قريباً منها‏,‏ ثمّ إنّه لمّا رئي بالمغرب كان قد غرب عن أهل المشرق‏,‏ فهذا أمر محسوس في غروب الشّمس والهلال وسائر الكواكب‏,‏ ولذلك إذا دخل وقت المغرب بالمغرب دخل بالمشرق ولا ينعكس‏,‏ وكذلك الطلوع‏,‏ إذا طلعت الشّمس بالمغرب طلعت بالمشرق ولا ينعكس‏.‏

أقوال الفقهاء في اختلاف المطالع وأدلّتهم

5 - تعدّدت أقوال الفقهاء وأدلّتهم في مسألة اختلاف المطالع من حيث اعتبارها أو عدم اعتبارها بغضّ النّظر عن كونها من أمور الواقع الملموس كاختلاف مطالع الشّمس‏.‏ وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال ف 14‏,‏ ورمضان ف 3‏)‏‏.‏

حكم الأخذ بالتّأقيت والحساب في إثبات الأهلّة

6 - اختلف الفقهاء في الأخذ بقول الحاسب على تفصيلٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال ف 11 - 13‏)‏‏.‏

طلب الرؤية

7 - لقد حثّ النّبي صلى الله عليه وسلم على طلب رؤية الهلال، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال فقرة 2‏)‏‏.‏

أهم الآثار المترتّبة على اعتبار اختلاف المطالع

8 - تترتّب على اعتبار اختلاف المطالع آثار تتعلّق ببعض العبادات كالصّيام‏,‏ والزّكاة‏,‏ والحجّ‏,‏ وبعض المعاملات كالبيع إلى أجلٍ‏,‏ والسّلم‏,‏ والإجارة‏,‏ وبعض أحكام الأسرة كالطّلاق والعدّة والحضانة والنّفقة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحاتها ومصطلح‏:‏ ‏(‏رؤية الهلال‏)‏‏.‏

مُطْبِق

انظر‏:‏ جنون‏.‏

مُطَرَّز

انظر‏:‏ ألبسة‏.‏

مُطَّلبِيّ

التّعريف

1 - المطّلبيّ هو من ينسب إلى المطّلب بن عبد منافٍ‏,‏ وهو أخو هاشم بن عبد منافٍ‏,‏ الجد الثّاني لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمطّلبيّ

وردت الأحكام المتعلّقة ببني المطّلب في مواضع من كتب الفقهاء منها‏:‏

أ - دفع الزّكاة إليهم‏:‏

2 - اختلف الفقهاء في جواز دفع الزّكاة لبني المطّلب بن عبد منافٍ فذهب الجمهور - وهم الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في روايةٍ - إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة إلى بني المطّلب‏.‏ وتفصيل هذا في مصطلح‏:‏ ‏(‏آل ف 7‏)‏‏.‏

ب - حكم كون عامل الزّكاة مطّلبياً‏:‏

3 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يجوز دفع الزّكاة لبني المطّلب‏,‏ وعليه فيجوز كونه عاملاً وآخذ الأجرة من الزّكاة‏.‏

واختلف أصحاب الشّافعيّ - وهم الّذين حرّموا على بني المطّلب الزّكاة - في ذلك على وجهين مشهورين‏:‏

أحدهما‏:‏ - وهو الأصح عند جمهور الأصحاب - لا يجوز، لحديث عبد المطّلب بن ربيعة ابن الحارث رضي الله عنه أنّه والفضل بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أتيا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألاه أن يؤمّرهما على بعض الصّدقات‏,‏ فيؤدّيانه إليه كما يؤدّي النّاس‏,‏ ويصيبا كما يصيبون فسكت طويلاً ثمّ قال‏:‏ «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّدٍ إنّما هي أوساخ النّاس» وفي روايةٍ‏:‏ «إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس وإنّها لا تحل لمحمّد ولا لآل محمّدٍ»‏.‏

والثّاني‏:‏ يجوز للمطّلبيّ أن يكون عاملاً في الزّكاة لأنّ ما يأخذه على وجه العوض‏,‏ فلو استعمله الإمام مثلاً في الحفظ أو النّقل جاز‏,‏ وله أجرته‏,‏ قال النّووي رحمه اللّه‏:‏ قال أصحابنا الخراسانيون‏:‏ هذان الوجهان مبنيّان على أنّ ما يأخذه العامل هل هو أجرة أو صدقة‏؟‏ وفيه وجهان فإن قلنا‏:‏ هو أجرة جاز وإلا فلا‏,‏ وهو يشبه الإجارة من حيث التّقدر بأجرة المثل‏,‏ ويشبه الصّدقة من حيث أنّه لا يشترط عقد إجارةٍ‏,‏ ولا مدّة معلومة ولا عمل معلوم‏.‏

والخلاف فيمن طلب على عمله سهماً من الزّكاة‏,‏ فأمّا إذا تبرّع بعمله بلا عوضٍ‏,‏ أو دفع الإمام إليه أجرته من بيت المال فإنّه يجوز كونه هاشمياً‏,‏ أو مطّلبياً بلا خلافٍ‏,‏ قال الماورديّ‏:‏ يجوز كونه هاشمياً‏,‏ و مطّلبياً إذا أعطاه الإمام من سهم المصالح‏.‏

وعند الحنابلة لا يجوز أن يكون المطّلبيّ عاملاً على الزّكاة إذا أخذ أجرته منها‏,‏ أمّا إذا دفعت له أجرته من غير الزّكاة فإنّه يجوز أن يكون عاملاً عليها‏.‏

ج - حق المطّلبيّ في خمس الخمس‏:‏

4 - اختلف العلماء في تحديد ذوي القربى الّذين يستحقون من خمس الخمس بسبب قرابتهم لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتفصيل ذلك في مصطلحات‏:‏ ‏(‏قرابة ف 7 وما بعدها‏,‏ آل ف 14‏,‏ فيء ف 12‏,‏ خمس ف 8‏)‏‏.‏